اذهب زائراً إلى سيدي أبي العون، وقل له: أخوك فلان يسلم عليك، ولم يزد على ذلك، وقال له: انظر أول شيء يضيفك به، فأخبرني عنه إذا رجعت، فذهب المريد إلى الشيخ أبي العون، فأول شيء أقراه به قلقاس مطبوخ، ثم لما انقضت زيارته وأراد الرجوع إلى شيخه، قال له الشيخ أبو العون: إذا سألك شيخك عن أول طعام أكلته عندنا فقل له: قلقاس، فكان ذلك بداع كشف سيدي أبي العون، ولطائف إشاراته.
وحكي أن بعض الفقهاء ارتحل إلى الشيخ أبي العون يقصد الزيارة، فلما دخل على الشيخ أبي العون رأى ي جماعته الغث والسمين، والبر والفاجر، فقال في نفسه: لا ينبغي أن يكون أصحاب الشيخ كلهم إلا أخياراً، ولا يليق بصحبته مثل هؤلاء الأشرار، أو نحو هذا الكلام، فما استتم هذا الخاطر حتى قال له الشيخ أبو العون: يا أخي إن الشيخ عبد القادر الجيلاني - رضي الله تعالى عنه - كان في جماعته البر والفاجر، فأما الأبرار، فكانوا يزدادون به براً، وأما الأشرار، فكان الله يصلحهم بصحبته، فعرف الفقيه أن الشيخ كاشفه بخاطره، فاستغفر الله تعالى، واعتذر من الشيخ، ومن تصرفات الشيخ أبي العون في الوجود ما حكاه الشيخ موسى الكناوي رحمه الله تعالى، وهو أن امرأة من أهل حلب خرجت من الحمام في جماعة من النسوة، فاحتملها رجل من الجند من جماعة نائب حلب، وأراد أن يذهب بها إلى الفاحشة، وعجز الناس عن خلاصها، فجاء رجل يقال له: قاسم بن زنزل بزائين مفتوحتين بينهما نون ساكنة، وكان من أهل الشجاعة والزعارة، فضرب الجندي ليستخلص منه المرأة، فقضى عليه، فمضى قاسم لوجهه هارباً، ثم لما أصبح عاد إلى المدينة، ودخل الحمام، فلما أحس به نائب حلب بعث في طلبه جماعة، فدخلوا عليه الحمام، فقال لقيم الحمام: أعطني سراويلي وخنجري، فخرج عليهم، فتفرقوا عنه، فهرب منهم، ووثب إلى بستان هناك، واستغاث بأبي العون الغزي، وكان قد رأى الشيخ أبا العون قبل ذلك واعتقده، فحماه الله تعالى منهم ببركة الشيخ أبي العون، فاستمر على وجهه على طريق الساحل حتى دخل جلجوليا فدخل على الشيخ أبي العون ودخل تحت ذيله، فدعا له الشيخ وكاشفه بما وقع، وقال له: كيف تقتل مملوك السلطان؟ فاعتذر بما فعله الجندي، فقال له: لك الأمان، ثم كتب الشيخ له كتاباً إلى نائب دمشق قانصوه اليحياوي، وكتاباً إلى نائب حلب، وقال له: اسق الماء واترك الزعارة، قال: نعم، ثم لما كتب له الكتاب إلى نائب حلب قال: يا سيدي أخاف أن لا يقبل ويقتلني، وكان في المجلس إذ ذاك الشيخ نعمة الصفدي فمد يده، وقال له: إن كلمك أقلع عينه بيدي، فأمسك أبو العون على يد الشيخ نعمة قبل أن يتم رفع يديه، وقال له: لو مكنته من رفع يده لقلع عينه، ثم ذهب قاسم إلى دمشق بكتاب الشيخ أبي العون إلى اليحياوي فأكرمه ودفع إليه نحو مائة درهم لكرامة الشيخ، ثم كتب إلى نانب حلب بإكرامه والعفو عنه لأجل