وكان شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي أمثلهم، والمرجع في مذهب الشافعي إذ اختلفوا، وكان الشيخ إسماعيل أوجههم، وأنفذها كلمة، وكان الشيخ إسماعيل محسناً في حق الطلبة في المال، وبالشفاعة في الوظائف والمناصب له الحظ الوافر في الكتب. جمع كتباً كثيرة نفيسة، وكان يكثر من إعارة الكتب، وصار عين الشافعية بدمشق، بل عين علمائها، ورأس عظمائها، وكان يستأجر القرى والمزارع كثيراً، ورزق الحظ فيها، ولم يرغب في الأملاك والعقارات إلا شيئاً قليلاً. وملك
داراً بالقرب من الأموي لصيق سوق العنبرانيين وعمرها، وكان ملازماً لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس بالجامع الأموي مع الأولى، وكان له أفضال على القضاة والنواب والكتاب، وأكثر النواب والكتاب هو الذي قدمهم ورتبهم، وهم في نعمته وأفضاله، وكلهم يرجع إلى مشاورته، ويصدر عن رأيه، وكان موقراً موفر الحرمة، سابغ النعمة، لم يجر عليه من نوائب الدهر، ومحن الزمان إلا قصة القابجي الذي عين في فتنة ميراث محمود الأعور بوشاية السقا يوسف، وكان أصل الفتنة مداخلة رئيس الكتاب محمد بن خطاب والد القاضي كمال الدين، وأكثر جماعة القاضي للميراث، فاعتقل القاضي محمد بن خطاب وولده وأهانهما، واعتقل جماعة آخرين منهم صاحب الترجمة، والشيخ محمد الحجازي، ثم كانت النصرة للشيخ إسماعيل من جانب مفتي الروم يومئذ محمد أفندي جوي زاده سبباً لاستخلاص الباقين، والانتقام من القابجي بشنقه في أمور يطول شرحها، ثم عادت دولة الشيخ إسماعيل له، وتوفرت حرمته، وبقي على نفع المسلمين بالإفتاء والتدريس والتعليم إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرته التي اشتراها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح. ورثاه الفضلاء بمراث منها هذه القصيدة للعلامة المنلا أسد رحمه الله تعالى:
مصيبة قد أذابت مني الكبدا ... وأسهرت لي طرفاً طالما رقدا
وأفنت الصبر عن قلبي، وقد وضعت ... مكانة الوجد والتبريح والكيدا
إلى متى نحن في ذا الدهر في حرج ... وحقنا أن نديم الحزن والكمدا
إلى متى نحن فيها غافلون وقد ... تدير كأس المنايا بيننا أبدا
ونحن كالشرب بعض مال ساعته ... والبعض منتظر حتى يميل غدا
ألا ترى كيف إسماعيل سيدنا ... كهف الأنام ومنيتهم إمام هدى