ظعن ألفن القفر في غول الدّجى ... وتركن مألوف المعاهد مقفرا
يطلبن لجّ البحر حيث تقاذفت ... أمواجه والبرّ حيث تنكّرا
هيم وما يبغين دونك موردا ... أبدا ولا عن بحر جودك مصدرا
من كلّ نضو الآل محبوك المنى ... يزجيه نحوك كلّ محبوك القرا «١»
بدن فدت منّا دماء نحورها ... ببغائها «٢» في كلّ أفق منحرا
نحرت بنا صدر الدّبور فأنبطت ... فلق المضاجع تحت جوّ أكدرا
وصبت إلى نحو «٣» الصّبا فاستخلصت ... سكن الليالي والنّهار المبصرا
خوص نفخن بنا البرى حتى انثنت ... أشلاؤهن كمثل أنصاف البرا
ندرت لنا أن لا تلاقي راحة ... مما تلاقي أو تلاقي منذرا «٤»
وتقاسمت أن لا تسيغ حياتها ... دون ابن يحيى «٥» أو تموت فتعذرا
لله أيّ أهلّة بلغت بنا ... يمناك يا بدر السماء المقمرا
بل أيّ غصن في ذراك هصرته ... فجرى «٦» فأورق في يديك وأثمرا
فلئن صفا ماء الحياة لديك لي ... فبما شرقت إليك بالماء الصّرى «٧»
ولئن خلعت عليّ بردا أخضرا ... فلقد لبست إليك عيشا أغبرا
ولئن مددت عليّ ظلّا باردا ... فلكم صليت إليك جوّا «٨» مسعرا
وكفى لمن «٩» جعل الحياة بضاعة ... ورأى رضاك بها رخيصا فاشترى
فمن المبلّغ عن غريب نازح ... قلبا يكاد عليّ أن يتفطّرا
لهفان لا يرتدّ طرف جفونه «١٠» ... إلّا تذكّر عبرتي فاستعبرا
أبنيّ، لا تذهب بنفسك حسرة ... عن غول رحلي منجدا أو مغورا
فلئن تركت الليل فوقي داجيا ... فلقد لقيت الصّبح بعدك أزهرا
ولقد وردت مياه مأرب حفّلا ... وأسمت خيلي وسط جنّة عبقرا
ونظمت للغيد الحسان قلائدا ... من تاج كسرى ذي البهاء وقيصرا