«لله درّكما حليفي صفاء، وأليفي وفاء، يتنازعان كأس المودّة تنازع الأكفاء، ويتهاديان ريحان التحية تهادي الظّرفاء. قسيمي نسب، وقريعي حسب، يتجاوزان بمطبوع من الأدب ومكتسب، ويتواردان على علم من الظّرف ونسب، رضيعي لبان، ذريعي لبان، يحرزان ميراث قسّ وسحبان، ويبرزان من الذّكاء ما بان على أبان، قسيمي مجال، فصيحي رويّة وارتجال، يترعان في أشطان البلاغة سجالا بعد سجال، ويصرعان في ميدان الفصاحة رجالا على رجال. ما بالكما؟ لا حرمت حبالكما ولا قصمت نبالكما، لم تسمحا لي من عقودكما بدرّة، ولم ترشّحاني من نقودكما بدرة، ولم تفسحا لي بحلوة ولا مرّة. لقد ابتليت من أدبكما بنهر أقربه ولا أشربه، وما أرده ولا أتبرّده. ولو كنت من أصحاب طالوت لا فسحت لي غرفة، وأتيحت لي ترفة. بل لو كنت من الإبل ذوات الأظماء، ما جليت بعد الظّمإ على الماء، ولا دخلت بالإشفاق مدخل العجماء. كيف وأنا ولا فخر في صورة إنسان، ناطق بلسان، أفرّق بين الإساءة والإحسان. وإن قلت إنّ باعي في النّظم قصير، وما لي على النّثر وليّ ولا نصير، وصنعة النحو عني بمعزل، ومنزل الفقيه ليس لي بمنزل، ولم أقدم على العلم القديم، ولا استأثرت من أهله بنديم. فأنا والحمد لله غنيّ بصنعة الجفر، وأقتني اليراع كأنها شبابيك التّبر، وأبري البريّة التي «١» تنيف على الشّبر، وأزين خدود الأسطار المستوية، بعقارب اللّامات الملتوية، ولا أقول كأنها، فلا ينكر السيدان أعزّ هما الله أنها نعم بعود أزاعم، وبمثل شكسي تحضر الملاحم. فما هذا الازدراء والاجتراء في هذا الأمر مرّ المواقير. تالله لقد ظلمتماني على علم، واستندتما إلى غير حلم، أما رهبتما شبابي، أما رغبتما في حسابي، أما رفعتما بين نفح صبابي، ولفح صبابي. لعمري لقد ركبتما خطرا، وهجتما الأسد بطرا، وأبحتما حمى محتضرا، ولم تمعنا في هذا الأمر نظرا:[الطويل]
أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ... أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا
ونفسي عين الحمار، في هذا المضمار، لا أعرف قبيلا من دبير، ولا أفرّق بحسّي بين صغير وكبير، ولا أعهد أنّ حصاة الرّمي أخفّ من ثبير، أليس في ذوي كبد رطبة أجر، وفي معاملة أهل التّقوى والمغفرة تجر؟ وإذا خوّلتماني نعمة أو نفلتماني نفلا، فاليد العليا خير من اليد السّفلى، وما نقص مال من صدقة، ولا جمال من لمح حدقة، والعلم يزيد بالإنفاق، وكتمه حرام باتفاق، فإن قلتما لي إنّ فهمك سقيم، وعوجك على الرّياضة لا يستقيم، فلعلّ الذي نصب قامتي، يمنّ