فأبلي عندكم بالشّكر عذرا ... وأجزل من ثنائكم الثّوابا
ولكنّ الليالي قيّدتني ... وقيّد عدّتي «١» إلّا الخطابا
فما تلقاني الأحباب إلّا ... سلاما أو مناما أو كتابا
لأمر ما يقصّ الدهر ريشي ... لأنّ السّهم مهما ريش صابا
وعاذلة تقول ولست أصغي ... ولو أصغيت لم أرفع جوابا
تخوّفني الدّواهي وهي عندي ... أقل من أن أضيق بها جنابا
إذا طرقت أعدّ لها قراها ... وقارا واحتسابا واصطبارا
وما مثلي يخوّف بالدواهي ... عرين اللّيث لا يخشى الذّبابا
تعاتبني فلا يرتدّ طرفي ... وهل تسترقص الرّيح الهضابا؟
ولو أنّ العتاب يفيد شيئا ... ملأت مسامع الدّنيا عتابا
وقد وصّيتها بالصّمت عنّي ... فما صمتت ولا قالت صوابا
تعنّفني على تركي بلادا ... عهدت بها القرارة والشّبابا
تقول: وهل يضرّ السّيف إلّا ... إذا ما فارق السيف القرابا
فقلت: وهل يضرّ السيف فلّ ... إذا قطّ الجماجم والرّقابا؟
بخوض الهول تكتسب المعالي ... يحلّ السّهل من ركب الصّعابا
فليث الغاب يفترس الأناسي ... وليث البيت يفترس الذّبابا
ولو كان انقضاض الطّير سهلا ... لكانت كلّ طائرة عقابا
دعيني والنهار أسير فيه ... أسير عزائم تفري الصّلابا
أغازل من غزالته فتاة ... تبيّض فودها هرما وشابا
إذا شاءت مواصلتي تجلّت ... وإن ملّت توارت لي احتجابا
وأسري اللّيل لا ألوي عنانا ... ولو نيل الأماني ما «٢» أصابا
أطارح من كواكبه كماما ... وأزجر من دجنّته غرابا
وأركب أشهبا «٣» غبرا كباعي ... وخضرا مثل خاطري انسيابا
وآخذ من بنات الدّهر حقّي ... جهاز البيت استلب استلابا
ولست أذيل بالمدح القوافي ... ولا أرضى بخطّتها اكتسابا