يتحلّى بخطّة هي به تتحلّى. كيف يهنأ بالقعود لسماع دعوة «١» الباطل، ولمعاناة «٢» الإنصاف الممطول من الماطل، والتّعب في المعادلة، بين ذوي المجادلة. أما لو علم المتشوّقون «٣» إلى خطّة الأحكام، المستشرفون إلى ما لها من التّبسّط والاحتكام، ما يجب لها من اللّوازم، والشروط الجوازم، كبسط الكنف، ورفع الجنف، والمساواة بين العدوّ وذي الذّنب، والصاحب بالجنب، وتقديم ابن السّبيل، على ذي الرّحم والقبيل، وإيثار الغريب، على القريب، والتوسّع في الأخلاق، حتى لمن ليس له من خلاق، إلى غير ذلك ممّا علم قاضي الجماعة أحصاه، واستعمل لخلقه «٤» الفاضل أدناه وأقصاه، لجعلوا خمولهم مأمولهم، وأضربوا عن ظهورهم «٥» ، فنبذوه وراء ظهورهم «٦» ، اللهمّ إلّا من أوتي بسطة في العلم، ورسا طودا في ساحة الحلم، وتساوى ميزانه في الحرب والسّلم، وكان كقاضي الجماعة «٧» ، في المماثلة بين أجناس الناس، فقصاراه أن يتقلّد الأحكام للأجر، لا للتّعسف «٨» والزّجر، ويتولّاها للثواب، لا للغلظة في ردّ الجواب، ويأخذها لحسن الجزاء، لا لقبح «٩» الاستهزاء، ويلتزمها لجزيل الذّخر، لا للإزراء والسّخر. فإذا كان كذلك، وسلك المتوليّ هذا السّالك «١٠» ، وكان كقاضي «١١» الجماعة ولا مثل له، ونفع الحقّ به علله، ونقع غلله، فيومئذ تهنأ «١٢» به خطّة القضاء، ويعرف ما لله عليه «١٣» من اليد البيضاء.
ومحاسنه في النثر أيضا جمّة.
ومن أخباره «١٤» أنه رحل إلى مرّاكش متسبّبا «١٥» في جهاز بنت بلغت التّزويج، وقصد دار الإمارة مادحا، فما تيسّر له شيء من أمله، ففكّر في خيبة قصده، وقال:
لو كنت تأمّلت «١٦» جهة الله، ومدحت المصطفى «١٧» صلى الله عليه وسلم، وآل بيته الطاهرين، لبلغت أملي بمحمود عملي. ثم استغفر الله «١٨» في توجّهه الأول، وعلم أن ليس على غير