للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوقار، المكفولة الذّيل، أنيسة مشيخة الجماعة، القاطنة من الحمراء العليّة، بباب ابن سماعة، فحين عطفت عليها، وصرفت زمام راحلتي إليها، ووقفت بإزاء فنائها، ولكنها وقوف المشفق من فنائي وفنائها، وقلت لها: كيف حالك أيتها الجارة، السّاكنة بنجدة الحجارة، الواعظة للقريب والبعيد، بمقامها صامتة على الصّعيد:

[الطويل]

سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها ... ولا زلت في خضراء غضّ نظيرها

فما أحقّك من باسقة بالتّرحيب، وأقربك من رحمات السّميع المجيب، خلتها اهتزّت عند النّداء اهتزاز السّرور، وتمايلت أكمامها تمايل الثّمل المسرور، ثم قالت لسائلها، بلسان وسائلها، عند مشاهدة مثلي تقول العرب: عينها فرارها، وابن جدّها للناظرين اصفرارها، وجملة بخيّتي، بعد إتمام تحيّتي، أنّ الدهر عجم قناتي، ومسّ الكبر كدّر سناتي، وما عسى أن أبثّ من ثكناتي، وجلّ علاتي من تركيب ذاتي.

ولكنّي أجد مع ذلك أنّ وقاري، حسّن لدى الحيّ احتقاري، وكثرة قناعتي، أثمرت إضاعتي، وكمال قدّي، أوجب قدّي، فما أنس م الأشياء، لا أنس عدوان جعسوس «١» ، من لعبوش اليهود أو المجوس، يفحص بمديته عن وريدي، ويحرص على مدّ جريدي، ويجدع كل عام بخنجره أنفي، وكلّما رمت كفّ إذايته عني، كشم كفّ، فلو رأيتم صعصعة أفناني، وسمعتم عند جدم بناني، قعقعة جناني، والدمع لمّا جفاني، يفيض من أجفاني، والجعسوس الخبيث المنحوس قد شدّ ما حدّ بأمراسه، ورفعه لبيعة كفره على راسه، بعد الأمر بوضعه على أسنمة القبور، حسبما ثبت في الحديث المشهور، لحملتكم يا بني سام وحام، على الغيرة وشائج الأرحام، فقد علمتم بنصّ الأثر أني عمّتكم القديمة، وإن لم أكن لذلك بأهل فإني لكم اليوم خديمة، أو من ذرّيّة الفريق الموجب المضروب به المثل يوم السّقيفة، لمن رام من أشراف الأندلس أن يكون إذ ذاك خليفة. وخالة أبي كانت النخلة البرشاء الكبيرة، التي حادثها الأمير عبد الرحمن بالرّصافة «٢» القريبة من كورة إلبيرة. فكيف