فتبسّم السلطان، وقال: اختر واحدة من ثلاث، إمّا الضيافة التي ذكرتها أول شعرك، وإمّا جائزة القصيدة، وإمّا حقّ الاسم. فقال: يا خوند، المملوك ممّن «١» لا يختنق بعشر لقم، فكيف بثلاث؟ فطرب السلطان، وقال هذا مغربي ظريف، ثم أتبعه من الدنانير والخلع الملوكية والتواقيع بالأرزاق ما لا يوصف. ولقي بحضرته عون الدين العجمي، وهو بحر لا تنزفه الدّلاء «٢» ، والشهاب التلعفري الشهير الذكر، والتاج ابن شقير، وابن نجيم الموصلي، والشرف بن سليمان الإربليّ، وطائفة من بني الصاحب.
ثم تحوّل إلى دمشق، ودخل الموصل وبغداد، ودخل مجلس السلطان المعظم ابن الملك الصالح بدمشق، وحضر بمجلس «٣» خلوته. وكان ارتحاله إلى بغداد في عقب سنة ثمان وأربعين وستمائة في رحلته الأولى إليها. ثم رحل إلى البصرة، ودخل أرّجان، وحجّ. ثم عاد إلى المغرب. وقد صنّف في رحلته الأولى إليها مجموعا سمّاه ب «النفحة المسكيّة في الرحلة المكية» . وكان نزوله بساحل مدينة إقليبية «٤» من إفريقية في إحدى جمادين من عام اثنين وخمسين وستمائة، واتصل بخدمة الأمير أبي عبد الله المستنصر «٥» فنال الدرجة الرفيعة من حظوته. وقال عند اتصاله به لحين قدومه:[المتقارب]
وما زلت أضرب في الخافقين ... أروم البلاد وأرعى الدول
إلى أن رجعت إلى تونس ... محلّ الإمام وأقصى الأمل
فقلت البلاد لهذي قرى ... وقلت الأنام لهذا خول
نكبته: وحدّثني شيخنا الوزير أبو بكر بن الحكيم، أن المستنصر جفاه في آخر عمره، وقد أسنّ لجراء خدمة مالية أسندها إليه، وقد كان بلاء منه قبل جفوة، أعقبها انتشال وعناية. فكتب إليه:[الرمل]