ادّخار «١» نفائسه، وبخله بنفائس ادّخاره؛ ولا «٢» غرو أن يضيق عنّا نطاق الذّكر، ولمّا يتّسع لنا سوار الشكر؛ فقد عمّت هذه الأقطار بما شاءت من تحف، بين تحف وكرامة، واجتنت أهلها ثمرة الرحلة في ظلّ الإقامة، وجرى الأمر في ذلك مجرى الكرامة. ألا وإنّ مفاتحتي لسيدي ومعظّمي، حرس الله تعالى مجده، وضاعف سعده! مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه، وجرى له القدر على وفق مرغوبه؛ فشرع له إلى أمله «٣» بابا، ورفع له من خجله جلبابا، فهو يكلف بالاقتحام، ويأنف من الإحجام، غير أنّ الحصر عن درج قصده يقيّده، فهو «٤» يقدم والبصر يبهرج نقده فيقعده؛ فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، ويجدّد عزما ثم لا يتحرّى؛ فإن أبطأ خطابي فلواضح الاعتذار «٥» ، ومثلكم لا يقبل حياة الأعذار؛ والله عزّ وجلّ يصل إليكم عوائد الإسعاد والإسعاف، ويحفظ لكم «٦» ما للمجد من جوانب وأكناف، إن شاء الله تعالى.
كتب «٧» في العاشر من ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.
دخوله غرناطة: دخل غرناطة غير ما مرّة، منها في استدعاء شمال الخواصّ من أهل الأقطار الأندلسية، عند إعذار الأمراء في الدولة اليوسفيّة «٨» ، في شهر شعبان من عام أحد وخمسين وسبعمائة.
شعره: كان مجلّيا، وأنشد في حلبة الشعراء قصيدة أولها «٩» : [الكامل]
أجنان خلد زخرفت أم مصنع؟ ... والعيد عاود أم صنيع يصنع؟
ومن شعره «١٠» : [الكامل]
من لم يشاهد موقفا لفراق ... لم يدر كيف تولّه العشّاق
إن كنت لم تره فسائل من رأى ... يخبرك عن ولهي وهول سياقي «١١»