حاله: هذا الرجل حسن الشكل، حصيف العقل، ثابت الجأش، معروف الأمانة والصدق، عفيف الفرج، مؤثر للجدّ، ماضي الحذر بأهل الحكم، نزيه اليد، مشهور بالرّجاحة، عين من عيون الحدود الغربية، وبقيّة من بقايا الجلّة العلمية، مسدّد اللسان للإبانة عن الأغراض، مختصر البزّة والحلية، متوسط الجود، مؤثر للخصوصية، بعيد النظر، سديد الرأي.
قدمت عليه بمحلّه من الجبل، زائرا متوفّى السلطان أبي الحسن، مستجيرا حماهم، فبلوت من برّه وبر الرئيس النّدي عبد العزيز أخيه ما تقصر عنه همم الملوك، وتقف دونه آمال الأشراف، تلقّيا، واحتفالا، وفرشا، وآنية، وطعاما، وصلة، وانتخابا، واحتشاما، وألطافا، حسبما يتضمن بسط ذلك كتاب «الرحلة» من تأليفي.
وأنشدتهم عند رحيلي، وقد رأيت إلى ما يبقي الذكر ويخلّد الآثار شيم السادة، وديدن الرؤساء «١» : [الكامل]
يا حسنها من أربع «٢» وديار ... أضحت لباغي الأمن دار قرار
وجبال عزّ لا تذلّ أنوفها ... إلّا لعزّ الواحد القهّار
ومقرّ توحيد وأسّ خلافة ... آثارها تنبي عن الأخبار
ما كنت أحسب أنّ أنهار النّدى ... تجري بها في جملة الأنهار
ما كنت أحسب أنّ أنوار الحجا ... تلتاح في قنن وفي أحجار
مجّت «٣» جوانبها البرود وإن تكن ... شبّت بها الأعداء جذوة نار
هدّت بناها في سبيل وفائها ... فكأنها صرعى بغير عقار
لمّا توعّدها على المجد العدا ... رضيت بعيث النار لا بالعار
عمرت بحلّة «٤» عامر وأعزّها ... عبد العزيز بمرهف بتّار «٥»
فرسا رهان أحرزا قصب النّدى ... والبأس في طلق وفي مضمار
ورثا عن النّدب الكريم «٦» أبيهما ... محض الوفاء ورفعة المقدار