نثره: وهو كثير. فمن خطبه، وكان لا يخطب إلّا بإنشائه:
الحمد لله الذي سبق كل شيء قدما، ووسع كل شيء رحمة وعلما ونعما، وهدى أولياءه طريقا نهجا أمما، وأنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا قيّما، لينذر بأسا شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا. أحمده على مواهبه، وهو أحقّ من حمد، وأسأله أن يجعلنا أجمع، ممن حظي برضاه وسعد، وأستعينه على طاعته، فهو أعزّ من استعين واستنجد، وأستهديه توفيقا، فإنّ من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له، شهادة فاتحة لأقفال قلوبنا، راجحة بأثقال ذنوبنا، منزّهة له عن التّشبيه والتمثيل بنا، وأنه تعالى جدّ ربّنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أنزل عليه الفرقان، وبعثه بالهدى والإيمان، وأغزى بدعوته دعوة أولياء الشيطان، وأبعدهم مقاعد عن السمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
أيها السامع، قد أيقظك صرف القدر من سنة الهوى وتيّاراته، ووعظك كتاب الله بزواجره وعظاته، فتأمّل حدوده، وتدبّر محكم آياته، واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته، ولن تجد من دونه ملتحدا. أين الذين عتوا على الله، وتعظّموا واستطالوا على عباده وتحكّموا، وظنّوا أنه لن يقدر عليهم حتى اصطلموا.
وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا. غرّهم الأمل وكواذب الظّنون، وذهلوا عن طوارق القبر وريب المنون، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، حتى إذا رأوا ما يوعدون، فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا. فهذّبوا، رحمكم الله، سراركم بتقوى الله واخلصوا، واشكروا نعمته، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، واحذروا نقمته واتقوه. ولا تعصوا، واعتبروا بوعيده. قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
«١» وانهضوا لطاعته الهمم العاجزة، واركضوا في ميدان التّقوى، وحوزوا قصب خصله العابرة، وادخروا ما يخلصكم يوم المحاسبة والمناجزة، وانتظروا قوله: وَيَوْمَ «٢» نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧)
«٣» وذلك يوم تذهل فيه الألباب، وترجف القلوب رجفا، وتبدّل الأرض وتنسف الجبال نسفا، ولا يقبل الله فيه من الظالمين عدلا ولا صرفا. وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً
«٤» وعرضوا على ربّك صفّا، لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة،