تولّى الملك عام ثمانية عشر كما تقدم، وتهنّأه إلى أن تأكّدت الوحشة بينه وبين السلطان ملك المغرب، فتحرّك لمنازلته، وأخذ بكظمه «١» ، وحصره سنين ثلاثا، واقتحم عليه ملعب البلدة ليلة سبع وعشرين من رمضان عام سبعة «٢» وثلاثين وسبعمائة. وفي غرّة شوال منها، دخل «٣» البلد من أقطاره عنوة، ووقف هو وكبير ولده برحبة قصره، قد نزعا لام الحرب المانعة من عمل السلاح استعجالا للمنيّة ورغبة في الإجهاز، وقاما مقام الثّبات والصبر والاستجماع، إلى أن كوثرا وأثخنا، وعاجلتهما «٤» منيّة العزّ قبل شدّ الوثاق، وإمكان الشّمات، واستولى على الملك «٥» ملك المغرب. وفي ذلك قلت من الرّجز المسمى بقطع السلوك في الدول الإسلامية، مما يخص «٦» ملوك تلمسان، ثم أميرها عبد الرحمن هذا «٧» : [الرجز]
وحلّ فيها عابد الرحمن ... فاغترّ بالدنيا وبالزمان
وسار فيها مطلق العنان ... من مظهر سام إلى جنان
كم زخرفت «٨» علياه من بنيان ... آثاره تنبي عن العيان
وصرف العزم إلى بجايه ... فعظمت في قومها النّكايه
حتى ما إذا مدّة الملك انقضت ... وأوجه الأيام عنهم أعرضت
وحقّ حقّ الدهر فيها ووجب ... وكتب الله عليها ما كتب
حثّ إليها السير ملك المغرب ... يا لك من ممارس مجرّب
فغلب القوم بغير عهد ... بعد حصار دائم وجهد
فأقفرت من ملكهم أوطانه ... سبحان من لا ينقضي سلطانه
ثم نشأت لهم بارقة، لم تكد تقد حتى خبت «٩» ، عندما جرت على السلطان أبي الحسن الهزيمة بالقيروان؛ وانبتّ عن أرضه، وصرفت البيعة في الأقطار إلى ولده، وارتحل إلى طلب منصور ابن أخيه، المنتزي «١٠» بمدينة فاس، فدخلوا تلمسان، وقبضوا على القائم بأمرها، وقدّموا على أنفسهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن، المتقدم الذكر في رسم عثمان، وذلك في الثامن والعشرين لجمادى الآخرة