حاله: كان كاتبا بليغا، سهل المأخذ، منقاد القريحة، سيّال الطبع.
مشيخته: أخذ عن أبيه، وعن طائفة كبيرة من أهل مراكش.
نباهته: كتب عن علي بن يوسف بن تاشفين، وعن ابنه «١» تاشفين، وعن أبي إسحاق، وكان أحظى كتّابهم. ثم لمّا انقطعت دولة لمتونة، دخل في لفيف الناس، وأخفى نفسه. ولمّا أثار الماسي «٢» الهداية بالسوس، ورمى الموحّدين بحجرهم الذي رموا به البلاد، وأعيا أمره، وهزم جيوشهم التي جهّزوها إليه وانتدب منهم إلى ملاقاته، أبو حفص عمر بن يحيى الهنتائي، في جيش خشن من فرسان ورجّالة، كان أبو جعفر بن عطية، من الرّجالة، مرتسما بالرماية، والتقى الجمعان، فهزم جيش الماسي، وظهر عليه الموحّدون. وقتل الدّعي المذكور، وعظم موقع الفتح عند الأمير الغالب يومئذ أبو حفص عمر، فأراد إعلام الخليفة عبد المؤمن، بما سناه الله، فلم يلق في جميع من استصحبه من يجلي عنه، ويوفي ما أراده، فذكر له أن فتى من الرّماة يخاطر بشيء من الأدب والأشعار والرسائل فاستحضره، وعرض عليه غرضه، فتجاهل وظاهر بالعجز، فلم يقبل عذره، واشتدّ عليه، فكتب رسالة فائقة مشهورة، فلمّا فرغ منها وقرأها عليه اشتدّ إعجابه بها وأحسن إليه، واعتنى به، واعتقد أنه ذخر يتحف به عبد المؤمن، وأنفذ الرسالة، فلمّا قرئت بمحضر أكابر الدولة، عظم مقدارها، ونبه فضل منشئها، وصدر الجواب ومن فصوله الاعتناء بكاتبها، والإحسان إليه، واستصحابه مكرّما. ولما أدخل على عبد المؤمن سأله عن نفسه، وأحظاه لديه وقلّده خطّة الكتابة، وأسند إليه وزارته، وفوّض إليه النظر في أموره كلها؛ فنهض بأعباء ما فوّض إليه، وظهر فيه استقلاله وغناؤه، واشتهر بأجمل السّعي للناس واستمالتهم بالإحسان وعمّت صنائعه «٣» ، وفشا معروفه، فكان محمود السّيرة، منحب «٤» المحاولات، ناجح المساعي، سعيد المأخذ، ميسّر المآرب، وكانت وزارته زينا للوقت، كمالا للدولة.
محنته: قالوا: واستمرّت حالته إلى أن بلغ الخليفة عبد المؤمن أن النصارى غزوا قصبة ألمرية، وتحصّنوا بها؛ واقترن بذلك تقديم ابنه يعقوب على إشبيلية،