للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي عبد الله ابن الوزير الفقيه الجليل، الأعزّ الأرفع، الماجد الأسمى، الصّدر الحافل، الفاضل الكامل، الأعلى الكبير، الخطير الأثير، الأرضى، المعظّم الموقّر، المبرور المقدّس، المرحوم الشهيد، أبي محمد بن الخطيب، وصل الله سعده، وحرس مجده، سلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.

أما بعد حمد الله، وليّ الحمد وأهله، وناصر الحقّ، ومطلع أنواره، من آفاق رحمته وفضله، وقاهر كل باغ، وخاذله ومذلّه. والصلاة على سيّدنا ومولانا محمد، صفوة أنبيائه، وخاتم رسله، المبتعث بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدّين كلّه، نبي الرحمة، الذي ببركة محبّته نلنا الأمنية، في جمع الدّين ونظم شمله، وبفضيلة جاهه عدنا إلى أرفع رتبة ملكنا، وأعلى محلّه. والرضا على آله وصحبه، المقتدين بهديه في أمرهم كله. فكتبناه إليكم، كتب الله لكم، عزّا لا يبلى جديده، وسعدا لا ينقطع مزيده. من حمرائنا بغرناطة، حرسها الله ومهّدها، ولا متعرّف بفضل الله سبحانه إلّا ما عوّد من ألطافه الخفيّة، وأسدى من صنائعه السّنية، وعنايته التي كفلت ببلوغ الأمنية. والحمد لله كثيرا، كما ينبغي لجلاله، ويليق بصفات كماله، وعندنا من إجلالكم، ما يليق بكمالكم، ومن المعرفة بمقداركم، ما يعرب عن حسن اعتقادنا في كريم نجاركم، ومن قدر أحسابكم، ما يلزم بسببه تعظيم جنابكم. وإلى هذا وصل الله سعدكم، وحفظ مجدكم، فإننا بحسب الودّ الذي نصل لمعاليكم، والحب الذي نضاعفه فيكم، خاطبناكم بهذا المكتوب بشرح ما منّ الله علينا من الفتح العظيم الذي أشرقت به أقطار هذه البلاد، وما منّ به من العودة إلى ملكنا المتوارث عن كرام الآباء والأجداد، وما أنعم به من قهر ذوي الشّقاق والعناد. وذلك أنّا، أعزّكم الله، طال علينا المقام برندة، ولم نزل نوجه إلى أهل الحصون التي بغربي مالقة وغيرهم، نقصّ عليهم ما ألزمهم الله من الوفاء ببيعتنا، ونحذّرهم عار النّكث لطاعتنا، إلى أن آن آوان الفرج، ونفذ قضاء الله وقدره، بالعودة إلى ما كنا تغلّبنا عليه. فاقتضى نظرنا أن خرجنا إلى مالقة في مائتي فارس، فما وصلنا واديها، وعلم بنا أهلها، إلّا وخرج لنا جميعهم، ملبّين بالبيعة، فرحين بقدومنا. وفي الحين بادرنا لقتال القصبة حتى استخلصت وأنزل من فيها بنواحيها. وليوم آخر، وصلتنا بيعات أهل الجهات التي تواليها، من أنتقيرة، ولوشة، وبلّش، وصالحة، وقمارش، والحمّة، وسائر الحصون الغربية، فلمّا وصل الخبر إلى الغادر الخاسر، خاف وذعر، ورأى أن لا ملجأ له إلّا أن يفرّ، فجمع شرذمته، وألّف حاشيته، وخرج عن الحمراء ليلا في ليلة الخميس الماضي، قريبا من التاريخ، هاربا إلى أرض الكفّار. وفي صبيحة الليلة، وجّه إلينا أهل حضرتنا، وتوجّهت الأجناد إلى بيعتنا، وانصرفنا إلى دار ملكنا، وحللناها يوم