للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ديون تستغرق الذّمم، وتسترقّ حتى الرّمم، فإن قضيت في الحياة فهي الخطّة التي نرتضيها، ولا نقنع من عامل الدهر المساعد إلّا أن «١» ينفّذ مراسمها ويمضيها، وإن قطع الأجل فالغنيّ الحميد من خزائنه التي لا تبيد يقضيها، ويرضي من يقتضيها.

وحيّا الله أيها العلم السّامي الجلال زمنا بمعرفتك المبرّة على الآمال أبرّ»

وأتحف، وإن أساء بفراقك وأجحف، وأعرى بعد ما ألحف، وأظفر باليتيمة المذخورة للشدائد والمزاين «٣» ، ثم أوحش منها أصونة هذه الخزائن، فآب حنين الأمل بخفّيه «٤» ، وأصبح المغرب غريبا يقلّب كفّيه، ونستغفر الله من هذه الغفلات، ونستهديه دليلا في مثل هذه الفلوات، وأي ذنب في الفراق للزمن أو لغراب الدّمن، أو للرّواحل المدلجة ما بين الشّام إلى اليمن، وما منها إلّا عبد مقهور، وفي رمّة القدر مبهور، عقد والحمد لله مشهور، وحجّة لها على النفس اللوّامة ظهور. جعلنا الله ممّن ذكر المسبّب في الأسباب، وتذكّر وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ

«٥» قبل غلق الرّهن وسدّ الباب.

وبالجملة فالفراق ذاتيّ، ووعده مأتيّ، فإن لم يحن «٦» فكأن قد، ما أقرب اليوم من الغد، والمرء في الوجود غريب، وكلّ آت قريب، وما من مقام إلا لزيال من غير احتيال، والأعمار مراحل والأيام أميال «٧» : [الوافر]

نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال

جعل الله الأدب مع الحقّ شاننا، وأبعد عنا الفرق «٨» الذي شاننا، وإني لأسرّ لسيدي بأن رعى الله صالح سلفه، وتداركه بالتّلافي في تلفه، وخلّص سعادته من كلفه، وأحلّه من الأمن في كنفه، وعلى قدرها تصاب العلياء، وأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء. هذا والخير والشّرّ في هذه الدار، المؤسّسة على الأكدار، ظلّان مضمحلّان، فإذا «٩» ارتفع، ما ضرّ أو ما نفع، وفارق المكان، فكأنّه ما كان، ومن كلمات المملوك البعيدة عن الشكوك، إلى أن يشاء ملك الملوك «١٠» :

خذ من زمانك ما تيسّر ... واترك بجهدك ما تعسّر