وضبطه لما تقلّده «١» من وديعتك، أحبّ إليه من حسن صنيعتك. وللسّفارة عنك من حلا الصدق في فمه، وآثره ولو بإخطار دمه، واستوفى لك وعليك فهم ما تحمّله، وعني بلفظه حتى لا يهمله، ولمن تودعه أعداء دولتك من كان مقصور الأمل، قليل القول صادق العمل، ومن كانت قسوته زائدة على رحمته، وعظمه في مرضاتك آثر من شحمته، ورأيه في الحذر سديد، وتحرّزه من الحيل شديد. ولخدمتك في ليلك ونهارك من لانت طباعه، وامتدّ في حسن السّجية باعه، وآمن كيده وغدره، وسلم من الحقد صدره، ورأى المطامع فما طمع، واستثقل إعادة ما سمع، وكان بريئا من الملال، والبشر عليه أغلب الخلال. ولا تؤنسهم منك بقبيح فعل ولا قول، ولا تؤيسهم من طول «٢» . ومكّن في نفوسهم أنّ أقوى شفعائهم، وأقرب إلى الإجابة من دعائهم، إصابة الغرض فيما به وكلوا، وعليه شكّلوا، فإنّك لا تعدم بهم انتفاعا، ولا يعدمون لديك ارتفاعا.
وأمّا الحرم فهنّ «٣» مغارس الولد، ورياحين الخلد، وراحة القلب الذي أجهدته الأفكار، والنّفس التي تقسّمها الإحماد إلى المساعي والإنكار «٤» ، فاطلب منهنّ من غلب عليهنّ من حسن الشّيم، المترفّعة عن القيم، ما لا يسوءك في خلدك، أن يكون في ولدك، واحذر أن تجعل لفكر بشر دون بصر إليهنّ سبيلا، وانصب دون ذلك عذابا وبيلا «٥» ، وأرعهنّ من النّساء العجز من فاقت «٦» في الدّيانة والأمانة سبله «٧» ، وقويت غيرته ونبله، وخذهنّ بسلامة النّيّات، والشيم السّنيّات، وحسن الاسترسال، والخلق السّلسال. وحظّر «٨» عليهنّ التّغامز والتّغاير، والتّنافس والتّخاير، وآس «٩» بينهنّ في الأغراض، والتّصامم عن الإعراض، والمحاباة بالأعراض. وأقلل من مخالطتهنّ فهو أبقى لهمّتك، وأسبل لحرمتك، ولتكن عشرتك لهنّ عند الكلال والملال، وضيق الاحتمال، بكثرة الأعمال، وعند الغضب والنّوم، والفراغ من نصب اليوم. واجعل مبيتك بينهنّ تنم بركاتك، وتستتر حركاتك، وافصل من ولدت منهنّ إلى مسكن يختبر فيه استقلالها، وتعتبر «١٠» بالتفرّد خلالها. ولا تطلق لحرمة شفاعة ولا تدبيرا، ولا تنط بها من الأمر صغيرا ولا كبيرا، واحذر أن يظهر على خدمهنّ في خروجهنّ عن القصور، وبروزهن من