أجمة الأسد الهصور «١» ، زيّ مفارع «٢» ، ولا طيب للأنوف مسارع، واخصص بذلك من طعن في السّن، ويئس من الإنس والجنّ، ومن توفّر النزوع إلى الخيرات قبله، وقصر عن جمال الصورة ووسم «٣» بالبله.
ثم لمّا بلغ إلى هذا الحدّ، حمي وطيس استجفاره، وختم حزبه باستغفاره، ثم صمت مليّا، واستعاد كلاما أوّليا. ثم قال: واعلم يا أمير المؤمنين، سدّد الله سهمك لأغراض خلافته، وعصمك من الزمان وآفته، أنك في مجلس الفصل، ومباشرة الفرع من ملكك والأصل، في طائفة من عزّ الله تذبّ عنك حماتها، وتدافع عن حوزتك كماتها، فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزري منه ببضاعة، أو يهجم بك رضاك على إضاعة. ولتكن قدرتك وقفا على الاتصاف، بالعدل والإنصاف، واحكم بالسّويّة، واجنح بتدبيرك إلى حسن الرّويّة. وخف أن تقعد بك أناتك عن حزم تعيّن، أو تستفزّك العجلة في أمر لم يتبيّن. وأطع الحجّة ما توجّهت عليك «٤» ، ولا تحفل بها إذا كانت إليك «٥» ، فانقيادك إليها أحسن من ظفرك، والحقّ أجدى من نفرك. ولا تردّنّ النصيحة في وجه، ولا تقابل عليها بنجه، فتمنعها إذا استدعيتها، وتحجب عنك إذا استوعيتها، ولا تستدعها من غير أهلها، فيشغبك أولو الأغراض بجهلها. واحرص على أن لا ينقضي مجلس جلسته، أو زمن اختلسته، إلّا وقد أحرزت فضيلة زائدة، أو وثقت منه في معادك بفائدة، ولا يزهدنّك في المال كثرته، فتقلّ في نفسك أثرته.
وقس الشّاهد بالغائب، واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب، فالمال المصون، أمنع الحصون. ومن قلّ ماله قصرت آماله، وتهاون بيمينه شماله، والملك إذا فقد خزينه، أنحى «٦» على أهل الجدة التي تزينه، وعاد على رعيّته بالإجحاف، وعلى جبايته بالإلحاف، وساء معتاد عيشه، وصغر في عيون جيشه، ومنّوا عليه بنصره، وأنفوا من الاقتصار على قصره. وفي المال قوّة سماوية تصرف الناس لصاحبه، وتربط آمال أهل السّلاح به. والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافه، فتجمع بالشّهوات بين إتلافك وإتلافه. واستأنس بحسن جوارها، واصرف في حقوق الله بعض أطوارها، فإن فضل المال عن الأجل فأجلّ «٧» ، ولم يضر ما تلف «٨» منه بين يدي الله عزّ وجلّ. وما ينفق في سبيل الشّريعة، وسدّ الذريعة، مأمول خلفه،