وما سواه فمستيقن «١» تلفه. واستخلص لحضور «٢» نواديك الغاصّة، ومجالسك العامّة والخاصّة، من يليق بولوج عتبها، والعروج «٣» لرتبها. أما العاميّة فمن عظم عند الناس قدره، وانشرح بالعلم صدره، أو ظهر يساره، وكان لله إخباته وانكساره، ومن كان للفتيا منتصبا، وبتاج المشورة معتصبا. وأما الخاصّيّة فمن رقّت طباعه، وامتدّ فيما يليق بتلك المجالس باعه، ومن تبحّر في سير الحكماء، وأخلاق الكرماء، ومن له فضل سافر، وطبع للدّنيّة منافر، ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظّ وافر. وصف ألبابهم بمحصول خيرك، وسكّن قلوبهم بيمن طيرك، وأغنهم ما قدرت عن غيرك.
واعلم بأنّ مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألّقة، والمصابيح المتعلّقة، وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضّياء، وتجلو بنورها صور الأشياء، وفرّعها «٤» لتحبير ما يزيّن مدتك، ويحسّن من بعد البلاء جدّتك. وبعناية الأواخر، ذكرت الأول «٥» ، وإذا محيت المفاخر، خربت الدّول. واعلم أنّ بقاء الذّكر مشروط بعمارة البلدان، وتخليد الآثار الباقية في القاصي منها والدّان، فاحرص على ما يوضّح في الدهر سبلك، ويحوز «٦» المزيّة لك على من قبلك، وأنّ خير الملوك من ينطق بالحجّة وهو قادر على القهر، ويبذل الإنصاف في السّر والجهر، مع التمكّن من المال والظّهر. ويسار الرعية جمال للملك وشرف، وفاقتهم من ذلك طرف، فغلّب أينق «٧» الحالين بمحلّك، وأولاهما بظعنك «٨» وحلّك. واعلم أنّ كرامة الجور دائرة، وكرامة العدل مكاثرة «٩» ، والغلبة بالخير سيادة، وبالشّرّ هوادة.
واعلم أنّ حسن القيام بالشّريعة يحسم عنك نكاية الخوارج، ويسمو بك إلى المعارج، فإنها تقصد أنواع الخدع، وتوري بتغيير البدع. وأطلق على عدوّك أيدي الأقوياء من الأكفاء، وألسنة اللّفيف من الضّعفاء، واستشعر عند نكثه شعار الوفاء.
ولتكن ثقتك بالله أكثر من ثقتك بقوة تجدها، وكتيبة تنجدها، فإنّ الإخلاص يمنحك قوى لا تكتسب، ويهديك «١٠» مع الأوقات نصرا لا يحتسب. والتمس سلم «١١» من