الذي أشار إليه والقطّة، فهو قياس عكسه كان أقيس، بل تعليم لمن وجد في نفسه خيفة وأوجس؛ وهأنا قد فهمت وعلمت، من حسن تأديبك ما علمت، وعلى ما فرّطت في جنبك ندمت، وإلى المعذرة والحمد لله ألهمت؛ ومع ذلك أعيد حديث الشيخ القاضي، وذكر عهدك به في الزمان الماضي؛ فلقد أجاد في الخضاب بالسّواد، واعتمد على قول المالكي الذي هدى إلى الرّشاد، وأوجبه بعضهم في بلاد الجهاد؛ وبيّن عمر منافع الخضاب الصادقة الإشهاد، وخضب بالسّواد جماعة من الصّحابة الأمجاد؛ وكان ذلك ترخيصا لم يعدّ شرعا، لكنه دفع شرّا وجلب نفعا؛ لا كأخيه الذي أبكى عين الحميم، وأنشد قول الرّضيّ يوم السقيم، وفجع قلوب أترابه، ولم يأت بيت النّصف من بابه؛ وإلّا فقد علم أن في الخير مشروع «١» ، وتعجّل الشيء قبل أوانه ممنوع، وستغبط أخاك ولو بعد حين، وما كل صاحب يحمد في إيضاح وتبيين، وإني لأرجو أن تتزوجها بكرا، تلاعبها وتلاعبك، أو ثيّبا تقصر عن حبّها مآربك؛ فلا جرم ترجع إلى الخضاب، وحينئذ تمتّع برشف الرّضاب؛ وإلّا قالت سيدي، لا تعظم المنى، ولا تجعل القطر قبل أن يموت عمر؛ لعمر الله إن هذا الموقف صعب، قد ملأ الروح منه روع ورعب؛ وإن أضاف إلى ذلك غلبة الأوهام، وظن الشيخوخة الصادرة عن نيل المرام، سكن المتحرك المصلوب، وتنغّص عند ذلك المحبوب؛ والله يعينك أيّها المولى، ويواليك من بسطه أضعاف ما ولى. وأما الأوصاف التي حسبتها أوصافي، وأوجبت حكمها بالقياس على خلافي، فهي لعمري أوصاف لا تراد، ومراع لا شكّ أنها تراد؛ غير أني بعيد العهد بهذه البلاد، لا أمت لها إلّا بالانتساب والميلاد، لا كالقضاة الذين ذكرت لهم عهدا، ونظمت حلاهم في جيد الدهر عقدا؛ ولو أنك بسرّك بصّرتني بشروط القضاء وسجايا أهل الصّرامة والمضاء، لحقّقت المناط، وأظهرت الزهد والاغتباط؛ لكني جهلت والآن ألهمت؛ وما علّم الإنسان إلّا ليعلم، والله يهدينا إلى الذي يكون أحسن وأقوم؛ وإني لأعلم سيدي بخبري، وأطلع جلاله على عجري «٢» وبجري؛ ولكني رحلت عن تلك الحضرة، وعدمت النّظرة في تلك النّظرة؛ لبست الإهمال، واطّلعت في السفر والاعتمال، فأقيم بادي الكآبة، مهتاج الصّبابة، قد فارقت السّكن، وخلفت الدار مثيرة الشّجن: