«عمرك الله أيها الإمام الفذّ، ومن بمدحه تطرب الأسماع وتلذّ، أوحد الدنيا وحائز الرّتبة العليا؛ ولولا أنك فوق ما يقال، والزّلّة إن لم تظهر العجز عن وصفك لا تقال، لأطلت في القول، وهدرت هدير قرع الشّول، لكن تحصيل الحاصل محال، ولكلّ في تهيّب كمالك مقال، ومقام وحال؛ ولولا أنّ الدعاء مأمول، وهو يظهر الغيب مقبول، والزيادة من فضل الله لا تنتهي، والنّعم قد توافيك، فوق ما تشتهي، لأريت أن ذلك أمر كفي، وأمر ظهر فيه ما خفي:[البسيط]
إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا ... أو قلت زانك ربّي فهو قد فعلا
إيه يا سيدي، ما هذه الكلمات السّحريّة والأنفاس النّفيسة الشّجرية، والألفاظ التي أنالت المرغوب وخالطت بشاشتها القلوب، والنّزعات الرّائقة، والأساليب الفائقة، والفصاحة التي سلبت العقول، والبلاغة التي أوجبت الذّهول؛ والبيان الذي لا يضيق صحيفه، ولا يبلغ أحد مدّه ونصيفه؛ يمينا بما احتوى من المحاسن، واللطائف التي لم يكن ماؤها بالآسن، وقسما ببراعتك التي هي الواسي المطاع، وطرسك الذي أبهجت به الأبصار والأسماع؛ لقد عاد لي بكتابتك عيد الشّوق، وجاد لي بخطابك جدّ التّوق، ولعهدي بنفسي رهن أشجاني، غير محلولة عقدة لساني، أشدّ من الصخرة جلدا، وأغلظ من الإبل كبدا؛ حتى إذا بدت حقيدة القلب وهبّ نسيمه الرّطب، وأفيح مورده العذب، وأضاء بنوره الشّرق والغرب، ولم يبق لي بثّ ولا شجن، ولا شاقني أهل ولا وطن؛ ومضى سيف اللسان بعد النبوّ، ونهض طرف الفكر بعد البكر، وهزّني الطّرب المثير للأفراح، ومشى الجذل في أطرافي وأعطافي مشي الرّاح؛ بيد أني خجلت ولا خجلة ربّة الخدر، وتضاءلت نفسي لجلالة ذلك القدر؛ وقلت ما لي بشربة من كأس بيانه، وقطرة من بحور إحسانه؛ حتى أؤدّي ولو بعض حقّك، وأكتب عقد ملك رقيّ لرقك، إنني على ما وليت من الصّدقة والصّداقة وبعد طلاقك؛ لكني أقوم في حقك مستغفرا، ولا أرضى أن أكون لذمّة المخدوم خفرا؛ على أنني أقول، قد كتبت فلم يردّ جوابي، وجرمت فهاج الجوى بي، ولعمري قد لزمت فيه خطّة الأدب، ولم أر التّثقيل على المولى الرّفيع الرّتب؛ فأما وقد نفقت عندك بضاعتي المزجاة، وشملني من لدنك الحلم والإناة، وشرّفتني بالخطاب الكريم، والرسالة التي عرفت في وجهها نضرة النعيم؛ فما أبغي إلّا إيرادها عليك وكلها خراج، ولبردها في الإجادة إنهاج؛ ولعلّك ترضى التّخريج من مدوّنة الأخبار، والمبسوطة والواضحة، لكن من الأعذار. وأمّا الولاية التي يقنع بسببها من الودّ بالعشر، أو بحبّة من المدّ إلى يوم النّشر، فلا بدّ أن يكون القانع محتاجا للوالي، ومفتقرا إلى التفقّد المتوالي؛ وأما إذا كان القانع هو الذي تولّى الخطّة، وأكسب الهرّ