أبي الحسن بن الجيّاب «١» : [الطويل]
أيا عبرة العين امزجي الدّمع بالدّم ... ويا زفرة الحزن احكمي وتحكّمي
ويا قلب ذب وجدا وغمّا ولوعة ... فإنّ الأسى فرض على كل مسلم
ويا سلوة الأيّام لا كنت فابعدي ... إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
وصح بأناة الصبر سحقا تأخري ... وقل لشكاة الحزن أهلا تقدّمي
ولم لا وشمس الملك والمجد والهدى ... وفتّاح أبواب النّدى والتكرّم
ثوى بين أطباق الثرى رهن غربة ... وحيدا وأصمته الليالي بأسهم
على ملك الإسلام فاسمح بزفرة ... تساقط درّا بين فذّ وتوأم
على علم الأعلام والقمر الذي ... تجلّى بوجه العصر غرّة أدهم
على أوحد الأملاك غير منازع ... أصالة أعراق وفضل تقدّم
ومن مثل إسماعيل نور لمهتد ... وبشرى لمكروب وعفو لمجرم
وما مثل إسماعيل للبأس والندى ... لإصراخ مذعور وإغناء معدم
وما مثل إسماعيل للحرب يجتنى ... به الفتح من غرس القنا المتحطّم
وما مثل إسماعيل سهم سعادة ... أصاب به الإسلام شاكلة الدم
شهيد سعيد صبّحته شهادة ... تبوّأ منها في الخلود التنعم
أتت وغبار الغزو طيّ ثيابه ... ظهير أمان من دخان جهنّم
فتبّا لدار لا يدوم نعيمها ... فما عرسها إلّا طليعة مأتم
ولا أنسها إلا رهين بوحشة ... ولا شهدها إلّا مشوب بعلقم
فيا من يرى الدنيا مجاجة نحلة ... ألا فاعتبرها فهي نبتة أرقم
فمن شام منها اليوم برق تبسّم ... ففي الغد تلقاه بوجه جهنّم
فضاحكها باك وجذلانها شج ... وطالعها هاو ومبصرها عم
وسرّاؤها تفنى وضرّاؤها معا ... فكلتاهما طيف الخيال المسلّم
سطت بملوك الأرض من بعد آدم ... تبدّد منهم كلّ شمل منظم
فكم من قصير قصّرت شأو عمره ... فخرّ صريعا لليدين وللفم
وكم كسرت كسرى وفضّت جيوشه ... فلم تحمه منها كتائب رستم
ولو أنها ترعى إمام هداية لأعفت ... عليّا من حسام ابن ملجم «٢»