للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحداد؛ وانصرف الرسول موجّها إلى مرسله فأخبره بما عاين من كرمه وفعله، فأعاده إليه في الحين بفرس أخرى، وكسى كثيرة، وآلاف من المال، فلمّا دخل مرّاكش، ولقي عليّ بن يوسف وأنزله، أنزل الحداد مع نفسه في بيت واحد، وشاركه في الأموال التي توجّه بها، فانصرف يجرّ وراءه دنيا عريضة.

ولمّا ملك سرقسطة «١» ، اختصّ الوزير الحكيم أبا بكر بن الصائغ، ولطف منه محلّه. ذكر أنه غاب يوما عنه وعن حضور مجلسه بسرقسطة، ثم بكر من الغد، فلمّا دخل قال له: أين غبت يا حكيم عنّا؟ فقال: يا مولاي، أصابتني سوداء واغتممت، فأشار إلى الفتى الذي كان يقف على رأسه، وخاطبه بلسان عجمي»

، فأحضره طبقا مملوءا مثاقيل محشمة، وعليها نوادير ياسمين، فدفعه كلّه إليه، فقال ابن باجة: يا مولاي، لم يعرف جالينوس من هذا الطّب، فضحك.

وذكر أنه أنشد شعرا في مدحه، وقد قعد للشراب، فاستفزّه الطرب، وحلف أن لا يمشي إلّا من فوق المال إلى منزله في طريقه، فالتمس الخدّام برنسه بأن كانوا يطرحون من المال شيئا له خطر، على أوعيته حتى يغمرها، فيمشي خطوا إلى أن وصل إلى منزله؛ وحسد الحكيم أصحابه، ولم يقدروا على مطالبته. واتفق أن سار الأمير أبو بكر، وأمر أصحابه بالتأهّب والاستعداد، فاستعدّ ابن باجة، واتخذ الأقبية والأخبية، واستفره الجياد من بغال الحمولة، فكانت له منها سبعة صفر الألوان، حمل عليها الثياب والفرش والمال؛ فلمّا نزل الأمير بمقرّه، مرّت عليه البغال المذكورة في أجمل الهيئات، فقال لجلسائه: لمن هذه البغال؟ ومن يكون من رجالنا هذا فأصابوا العزّة؟ فقالوا: هي للحكيم ابن الصائغ، صاحب سرقسطة، وليعلم مولانا أنّ في وسط كل حمل منها ألف دينار ذهبا سوى المتاع والعدّة؛ فاستحسن ذلك. وقال: أهذا حقّ؟ قالوا: نعم، فدعا الخازن على المال، وقال له ادفع لابن باجة خمسة آلاف دينار ليكمل له ذلك اثني عشر ألفا، فقد سمعته غير ما مرة يتمنّى أن يكون له ذلك؛ ثم بعث عنه في الحين وقال له: يا حكيم، ما هذا الاستعداد، فقال له: يا مولاي، كل ذلك من هباتكم وأعطياتكم، ولما علمت أن إظهار ذلك يسرّكم، فسرّ بذلك.

وأخباره رحمه الله كثيرة.

محنته: قالوا: ولمّا ولّي غرناطة سنة خمسمائة، ثار بها، وانبرى على قومه لأمر رابه، فانتبذ عنه قومه، وناصبوه الحرب، حتى استنزلوه عنوة، وقبضوا عليه،