حادّة بقومس مشهور؛ فأحدق به، ونشر الحرب عليه، فافتتحه عنوة وقتل من كان به؛ وأحيا قائده «فرند» ومن معه من الفرسان، وصدر إلى غرناطة، فبرز له الناس بروزا لم يعهد مثله. وفي شهر صفر من عام خمسة وعشرين أوقع بالعدو المضيق على أوّليته. وفي ربيع الأول من عام ستة وعشرين، تعرّف خروج عدو طليطلة إلى قرطبة؛ فبادر الأمير تاشفين إلى قرطبة، ثم نهد «١» إلى العدو في خفّ، وترك السيقة والثقل بأرجونة. وقد اكتسح العدوّ بشنت إشطبين «٢» والوادي الأحمر.
وأسرى الليل، وواصل الركض، وتلاحق بالعدو بقرية براشة. فتراءى الجمعان صبحا، وافتضح الجيش، ونشرت الرّماح والرّايات، وهدرت الطبول، وضاقت المسافة، وانتبذ العدو عن الغنيمة؛ والتفّ الجمع، فتقصرت الرّماح، ووقعت المسابقة، ودارت الحرب على العدو، وأخذ السيف مأخذه، فأتى القتل على آخرهم، وصدر إلى غرناطة ظافرا. وفي «٣» آخر هذا العام خرج العدو «للنمط» وقد احتفل في جيشه إلى بلاد الإسلام، فصبح إشبيلية يوم النصف من رجب، وبرز إليه الأمير أبو حفص عمر بن علي بن الحاج، فكانت به الدّبرة «٤» في نفر من المسلمين استشهد جميعهم؛ ونزل العدو على فرسخين من المدينة فجلّلها نهبا وغارة؛ فقتل عظيما، وسبى عظيما؛ وبلغ الخبر الأمير تاشفين، فطوى المراحل، ودخل إشبيلية، وقد أسرّها؛ واستؤصلت باديتها، وكثر بها التأديب والتنكيل فأخذ أعقاب العدو، وقد قصد ناحية بطليوس وباجة ويابرة في ألف «٥» عديده من أنجاد الرجال، ومشهور الأبطال، فراش جولا عهدا بالرّوع، فظفر بما لا يحصيه أحد، ولا يقع عليه عدد؛ وانثنى على رسل لثقل «٦» السيقة، وثقته ببعد الصّارخ «٧» ، وتجشمت بالأمير تاشفين الأدلاء كل ذروة وثنيّة، وأفضى به الإعداد «٨» إلى فلاة بقرب الزّلاقة، وهو المهيع الذي يضطر العدو إليه، ولم يكن إلّا كلّا ولا، حتى أقبلت الطلائع منذرة بإقبال العدوّ، والغنيمة في يده قد ملأت الأرض؛ فلما تراءى