عار على الملك المنزّه أن يرى ... في مثل هذا للملوك مسالك
فكلامه للدّين سمّ قاتل ... ودنوّه للعرض داء ناهك
فعليه ثم على الذي يصغى له ... ويل يعاجله وحتف واشك
وأتاه من مثواه آت مجهز ... لدم الخناجر بالخناجر سافك
وهي طويلة، تشتمل من التعريض والصريح على كل غريب، واتخذ لها كنانة خشبية كأوعية الكتب، وكتب عليها:«رقاص معجّل، إلى مالك بن المرحّل» . وعمد إلى كلب، وجعلها في عنقه، وأوجعه خبطا حتى لا يأوي إلى أحد، ولا يستقرّ، وطرده بالزّقاق متكتّما بذلك. وذهب الكلب وخلفه من الناس أمّة، وقرىء مكتوب الكنانة، واحتمل إلى أبي الحكم، ونزعت من عنق الكلب، ودفعت إليه، فوقف منها على كل فاقرة «١» كفّت من طماحه، وغضّت عن عنان مجاراته، وتحدّث بها مدة، ولم يغب عنه أنها من حيل ابن رشيق، فعوّق سهام المراجعة، ثم أقصر مكبوحا، وفي أجوبته عن ذلك يقول:[المتقارب]
كلاب المزابل آذينني ... بأبوالهنّ على باب داري
وقد كنت أوجعها بالعصا ... ولكن عوت من وراء الجدار
واستدعاه بآخرة أمير المغرب السلطان أبو يعقوب، فاستكتبه، واستكتب أبا الحكم صدقة، فيقال إنه جرّ عليه خجلة كانت سبب وفاة أبي علي. ودخل الأندلس، وحطّ بها بألمريّة، وقد أصيب بأسر عياله، فتوسّل إلى واليها من قرابة السلطان الغالب بالله، بشعر مدحه فيه من قصيدة أولها:[الكامل]
ملقي النوى ملق لبعض نوالكا ... فاشف المحبّ ولو بطيف خيالكا
ومنها:
لا تحسبنّي من فلان أو فلا ... أنا من رجال الله ثم رجالكا
ومنها:
نصب العدوّ حبائلا لحبائبي ... وعلقت في استخلاصها بحبالكا
وفي خاتمها:
وكفاك شرّ العين عيب واحد ... لا عيب فيه سوى فلول نصالكا