نسّق «١» له، فزوى «٢» وجهه عنّا، وقال: ماذا تهنّونني به، كأنكم رأيتم تلك الخرقة بكذا «٣» - يعني العلم الكبير- في منار إشبيلية «٤» ، فعجبنا من بعد همّته، ومرمى عزمه «٥» .
شجاعته: أقسم أن يغير على باب مدينة بيّانة في عدّة قليلة عيّنها الميمن «٦» ، فوقع البهت وتوقّعت الفاقرة، لقرب الصّريخ، ومنعة الحوزة، وكثرة الحامية، واتصال تخوم البلاد، ووفور الفرسان بذلك الصّقع؛ وتنخّل أهل الحفاظ، وهجم «٧» على باب الكفّار نهارا، وانتهى إلى باب المدينة، وقد برزت الحامية، وتوقع فرسان الرّوم الكمناء، فأقصروا عن الإحصار، وحمي المسلمون فشدّ عليهم، فأعطوهم الضّمّة ودخلوا أمامهم المدينة؛ ورمى السلطان أحد الرجال النّاشبة بمزراق كان بيده محلّى السّنان رفيع القيمة، وتحامل «٨» يريد الباب فمنع الإجهاز «٩» عليه، وانتزاع الرّمح الذي كان يجرّه خلفه، وقال: اتركوه يعالج به رمحه «١٠» إن كان أخطأته المنيّة، وقد أفلت من أنشوطة خطر عظيم.
جهاده ومناقبه: كان له وقائع في الكفّار، على قلّة أيامه، وتحرّك ونال البلاد، وفتح قبرة، ومقدّم جيش العدو الذي بيّت بظاهرها وأثخن فيه، وفتح الله على يده مدينة باغوة، وتغلب المسلمون على حصن قشتالة، ونازل حصن قشرة «١١» بنفسه لدى قرطبة، فكاد أن يتغلّب عليه، لولا مدد اتّصل للنصارى به. وأعظم مناقبه تخليص جبل الفتح، وقد أخذ الطاغية بكظمه، ونازله على قرب العهد من تملّك المسلمين إياه، وناخ «١٢» بكلكله، وهدّ بالمجانيق أسواره، فدارى الطّاغية، واستنزل