للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكران «١» أفرط في قحته، واشتدّ في عربدته «٢» ، وحمل على الناس، فأفرجوا عنه؛ فاعترضه واشتدّ عليه حتى تمكّن منه بنفسه، واستنصر «٣» في حدّه، وبالغ في نكاله؛ واشتهر ذلك عنه، فجمع له أمر الشرطة وخطّة السوق، ثم ولّي القضاء، فذهب أقصى مذاهب الصّرامة، إلى أن هلك؛ فولي «٤» خطّة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد «٥» بن هشام من أهل ألش، لحكاية «٦» غبطت السلطان بدينه «٧» ، ودلّته على محلّه من العدل والفضل، فاتّصلت أيام قضائه إلى أيام «٨» مستقضيه، رحمه الله.

جهاده: وباشر «٩» هذا السلطان الوقائع، فانجلت ظلماتها عن صبح نصره، وطرّزت مواقعها «١٠» بطراز جلادته وصبره؛ فمنها وقيعة المطران وغيرها، مما يضيق التأليف عن استقصائه. وفي «١١» شهر المحرّم من عام خمسة وتسعين وستمائة، على تفئة «١٢» هلاك طاغية الروم، شانجه بن أذفونش، عاجل الكفّار «١٣» لحين دهشهم، فحشد أهل الأندلس، واستنفر المسلمين، فاغتنم الداعية، وتحرّك في جيش يجرّ الشّوك والشجر «١٤» ، ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها، ففتحها الله على يديه، وتملّك بسببها جملة من الحصون التي «١٥» ترجع إليها؛ وكان الفتح في ذلك «١٦» عظيما، وأسكنها جيشا من المسلمين، وطائفة من الحامية، فأشرقت العدوّ بريقه.

وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة، نازل مدينة القبذاق «١٧» فدخل جفنها، واعتصم من تأخّر أجله بقصبتها، ذات القاهرة العظيمة الشأن، الشهيرة في البلدان، فأحيط بهم، فخذلوا وزلزل الله أقدامهم؛ فألقوا باليد، وكانوا أمنع من عقاب الجو؛ وتملّكها على حكمه، وهي من جلالة الوضع، وشهرة المنعة، وخصب السّاحة،