منهم حقّ الشريعة، وأنصف أئمّة الملّة، فلم ينشبوا أن تهارشوا، فعضّ بعضهم، واستأصلهم البغي، وألحم للسيف، وتفنن القتل، فمن بين مجدّل يوارى بأحلاس الدّواب الوبرة، وغريق يزفّ به إلى سوء الميتة، واستبينت حرمة الله، واستضيم الدّين، واستبيحت المحرّمات، واستبضعت الفروج في غير الرّشدة، وساءت في عدوّ الدّين الحيلة، فتحرّكنا عن اتفاق من أرباب الفتيا، وعزم من أولي الحريّة، وتحريض من أولي الحفيظة والهمّة، وتداحر من الشوكة، وتحريك من وراء البحر من الأمة، فكان ما قد علمتم من تسكين الثّائرة وإشكا العديم، وإصمات الصارخ، وشعب الثّأي «١» ، ومعالجة البلوى، وتدارك القطر، وقد أشفى، وكشف الضرّ والبأساء، أما الحبوة فالتمسها، وجلّ الرّبّ، واستشاط عليها جوّ السماء. وأمّا مرافق البحر ومرافده، فسدّت طرقها أساطيل الأعداء. وأما الحميّة، فبدّدها فساد السيرة، وغمط الحق، وتفضيل الأذى. وأمّا المال، فاصطلم السّفه بيضاءه وصفراءه، وكبس خزائنه حتى وقع الإدقاع والإعدام، وأقوى العامر، وافتقرت المجابي والمغابن، واغتربت جفون السيوف من حلاها، وجردتموا الآلة إلى أعلاها، والدّغل المستبطن الفاضح، ويمحض الحين، وأسلمت للدواء العرصة، وتخرّبت الثغور من غير مدافعة، واكتسحت الجهات فلم يترك بها نافخ، ووقع القول، وحقّ البهت، وخذل الناصر، وتبرّأت الأواصر، فحاكمنا العدو إلى النّصفة، ولم نقرّه على الدّنيّة، وباينّاه أحوج ما كنّا إلى كدحه، وأطمع ما أصبحنا في مظاهرته على الكفّار مثله، اعتزازا بالله، وثقة به، ولجأ إليه، وتوكلا عليه، سبحانه ما أبهر قدرته، وأسرع نصرته، وأوجى أمره، وأشدّ قهره. وركبنا بحر الخطر، بجيش من التجربة، ونهدنا قدما، لا نهاب الهول ولا نراقبه، وأطللنا على أحواز ريّه «٢» في الجمع القليل، إلّا من مدد الصّبر المفرد، إلّا من مظاهرة الله الغفل، إلّا من زينة الحق المظلّل جناح عقابه يجتاح الروح، تسدّ جياده بصهيل العزّ، المطالعة غرره بطليعة النصر. فلمّا أحسّ بنا المؤمنون المطهّرون بساحتهم انتزوا من عقال الإيالة الظالمة، والدّعوة الفاجرة، وتبرأوا من الشّرذمة الغاوية، والطّائفة المناصبة لله المحاربة، وأقبلوا ثنيّات وأفرادا، وزرافات ووحدانا، ينظرون بعيون لم ترو من غيبتنا، من محيّا رحمة، ولا اكتحلت بمنظر رأفة، ووجوه عليها قسوة الخسف، وإبشار عليها بوس الجهد، يتعلّقون بأذيالنا تعلّق الغريق، يئنّون من الجوع والخوف أنين المرضى، ويجهشون بالبكاء، ويعلنون لله ولنا بالشكوى، فعرّفناهم الأمان من الأعداء، وأول عارفة جعلونا