للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم، وصرفنا وجه التّأمين والتّأنيس، وجميل الودّ إليهم، وخارطناهم «١» الإجهاش والرّقعة، ووثّبنا «٢» لهم من الذّلة، واستولينا على دار الملك ببلدهم، فأنزلنا منها أخابيث كان الأشقياء مخلّفوهم بها، من أخلاف لا يزال تطأ إبشارهم الحدود، وتأنف من استكفائهم اليهود، وانثالت علينا البلاد، وشمّر الطاغية ذيله عن الجهات، وراجع الإسلام رمق الحياة، وحثثنا السير إلى دار الملك، وقد فرّ عنها الشقي الغاصب، بشوكة بغيه، التي أمدّته في الغيّ، وأجرته على حرمة الله. وقصد دار قشتالة، بكل ما صانت الحقاق من ذخيرة، وحجبت الأمهاء من خرزة ثمينة، يتوعدون المسلمين بإدالة الكفر من الإيمان، واقتياد جيوش الصّلبان، وشدّ الحيازم إلى تبديل الأرض غير الأرض، وسوم الدّين، وطمس معالم الحق، كيادا لرسول الله في أمته، ومناصبة له في حنيفيّته، وتبديلا لنعمة الله كفرا، ولمعروف الحقّ نكرا، أصبح له الناس على مثل الرّضف، يرتقبون إطلال الكريهة، وسقوط الظّلّة، وعودة الكرّة، وعقبى المعرّة، والله من ورائهم محيط، وبما يعملون محيط، ولدعاء المستضعفين من المؤمنين مجيب، ومنهم وإن قعدوا في أقصى الأرض قريب. ولم نقدم مذ حللنا بدار الملك شيئا على مراسلة صاحب قشتالة في أمره، نناشده العهد، ونطري له الوفاء، ونناجزه إلى الحقّ، ونقوده إلى حسن التلطّف، إلى الذي نشاء من الأمن، فحسم الداء، واجتثّ الأعداء، وناصح الإسلام وهو أعدا عدوه، وحزم الدين، وهو المعطل من أدوائه، وصارت صغرى عناية الله بنا، التي كانت العظمى، واندرجت أولاها في الأخرى، وأتت ركائب اليمن واليمين تترى، ورأى المؤمنون أن الله لم يخلق هذا الصّقع سدى ولا هباء عبثا، وأن له فينا خبيئة غيب، وسرّ عناية، يبلّغنا إيّاها، ويطوّقنا طوقها، لا مانع لعطائه، ولا معدّد لآلائه، له الحمد ملء أرضه وسمائه.

فمن اضطردت له هذه العجائب، فحملته عوائق الاستقامة مزية جيوب التقوى، كيف لا يتمنّى، ويدين لله بمناصحته، ويحذر عناد الله بمخالفته، ويخشى عاقبة أمره، إنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. فقلّمنا أظفار المطالبة وأغضينا عن البقيّة وسوّغنا من كشف وجهه في حربنا نعمة الإبقاء، وأقطعنا رحم من قطع طاعتنا جانب الصّفح، وأدررنا لكثير ممن شحّ عنّا ولو بالكلمة الطيّبة جورية الرزق، ووهنا ما وجب لنا من الحق، ودنّا له بكظم الغيظ؛ وعمرنا الرّتب بأربابها،