ألم يعلموا أنّ اغترابي حرامة ... وأن ارتحالي عن دارهم هو البخت؟
نعم لست أرضى عن زماني أو أرى ... تهادي السفن المواخر والبخت
لقد سئمت نفسي المقام ببلدة ... بها العيشة النّكراء والمكسب السّحت
يذلّ بها الحرّ الشريف لعبده ... ويجفوه بين السّمت من سنة ستّ
إذا اصطافها المرء اشتكى من سمومها ... أذى ويرى فيه أدّا يبتّ
ولست كقوم في تعصبّهم عتوا ... يقولون بغداد لغرناطة أخت
رغبت بنفسي أن أساكن معشرا ... مقالهم زور وودّهم مقت
يدسّون في لين الكلام دواهيا ... هي السّمّ بالآل المشود لها لتّ
فلا درّ درّ القوم إلّا عصيبة ... إليّ بإخلاص المودّة قد متّوا
وآثرت أقواما حمدت جوارهم ... مقالهم صدق وودّهم بحت
لهم عن عيان الفاحشات إذا بدت ... تعام وعن ما ليس يعينهم صمت
فما ألفوا لهوا ولا عرفوا خنى ... ولا علموا أنّ الكروم لها بنت
به كل مرتاح إلى الضّيف والوغى ... إذا ما أتاه منهما النبأ البغت
وأشعث ذي طمرين أغناه زهده ... فلم يتشوّف للذي ضمّه التّخت
صبور على الإيذاء بغيض على العدا ... معين على ما يتّقي جأشه الشّتّ «١»
ولي صاحب مثلي يمان جعلته ... جليسي نهارا أو ضجيعي إذا بتّ
وأجرد جرّار الأعنّة فارح ... كميت وخير الخيل قدّاحها الكمت
تسامت به الأعراق في آل أعوج ... ولا عوج في الخلق منه ولا أمت
وحسبي لعضّات النوائب منجدا ... عليها الكميت الهند والصّارم الصّلت
قطعت زماني خبرة وبلوته ... فبالغدر والتّخفيف عندي له نعت
ومارست أبناء الزمان مباحثا ... فأصبح حبلي منهم وهو منبتّ
وذي صلف يمشي الهوينا ترفّقا ... على نفسه كيلا يزايلها السّمت
إذا غبت فهو المروة القوم عندهم ... له الصّدر من ناديهم وله الدّست
وإن ضمّني يوما وإياه مشهد ... هو المعجم السّكيت والعمّة الشّخت
فحسبي عداتي أن طويت مآربي ... على عزمهم حتى صفا لهم الوقت
وقلت لدنياهم إذا شئت فاغربي ... وكنت متى أعزم فقلبي هو البتّ
وأغضيت عن زلّاتهم غير عاجز ... فماذا الذي يبغونه لهم الكبت؟