ويا ربوع الحمى لا زلت ناعمة ... يبكي عهودك مضنى الجسم شاحبه
يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... في كل أوب له شوق يجاذبه
يسمو إلى طلب الباقي بهمّته ... والنفس بالميل للفاني تطالبه
وفتنة المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبه
أبكي لعهد الصّبا والشّيب يضحك بي «١» ... يا للرّجال سبت جدّي ملاعبه
ولن ترى كالهوى أشجاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه
وهمّة المرء تغليه وترخصه ... من عزّ نفسا لقد عزّت مطالبه
ما هان كسب المعالي أو تناولها ... بل هان في ذاك ما يلقاه طالبه
لولا سرى الفلك السّامي لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه
في ذمّة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السّرى فأجابتهم نجائبه
يرمون عرض الفلا بالسّير عن عرض «٢» ... طيّ السّجلّ إذا ما جدّ كاتبه
كأنهم في فؤاد «٣» الليل سرّ هوى ... لولا الضّرام لما خفّت جوانبه
شدّوا على لهب الرّمضاء وطأتهم ... فغاص في لجّة الظّلماء راسبه
وكلّفوا الليل من طول السّرى شططا ... فخلّفوه وقد شابت ذوائبه
حتى إذا أبصروا الأعلام ماثلة «٤» ... بجانب الحرم المحميّ جانبه
بحيث يأمن من مولاه خائفه ... من ذنبه وينال القصد راغبه
فيها وفي طيبة الغرّاء لي أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه
لم «٥» أنس لا أنس أياما بظلّهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه
شوقي إليها وإن شطّ المزار بها ... شوق المقيم وقد سارت حبائبه
إن ردّها الدهر يوما بعد ما عبثت ... في الشّمل منّا يداه لا نعاتبه «٦»
معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من فضله «٧» شرف تعلو مراتبه
محمد المجتبى الهادي الشّفيع إلى ... ربّ العباد أمين الوحي عاقبه
أوفى الورى ذمما، أسماهم همما ... أعلاهم كرما، جلّت مناقبه
هو المكمّل في خلق وفي خلق ... زكت حلاه «٨» كما طابت مناسبه