أستغفر الله إلّا للخليل، لكن أصول الدين مجريّة، تركت تلك الميادين. هنّاك الله جمع كل منقبة جليلة، فترى الفضيلة لا تردّ فضيلة، فمر الرديف وقد ركب غضنفرا، أو المدّعي صفة فضل، وكلّ الصّيد في جوف الفرا «١» . من يزحم البحر يغرق، ومن يطعم الشجر يشرق. وهل يبارى التوحيد بعمل، أو يجارى البراق بجمل؟ ذلك انتهى إلى سدرة المنتهى، وهل انبرى ليلطم خدّه في الثرى؟ لا تقاس الملائكة بالحدّادين، ولا حكماء يونان بالفدادين. أفي طريق الكواكب يسلك، وعلى الفلك الأثير يستملك؟ أين الغد من الأمس، وظلمة الغسق من وضح الشمس؟ ولولا ثقتي بغمام فضلك الصّيّب، لتمثلت لنفسي بقول أبي الطيب «٢» : [الطويل]
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له ألحق «٣»
فإن رضيت أيها العلم، فما لجرح إذا أرضاكم. ألم تر كيف أجاري أعوج بمغرب أهوج وأجاري ذا العقال بجحش في عقال؟ ظهر بهذه الظّلمة، ذلك الضياء، وبضدّها تتبين الأشياء. وما يزكو بياض العاج حتى يضاف إلى سواد الأبنوس. ألفاظ تذوب رقّة، وأغراض تملك حبّ الكريم ورقّة الزّهر، والزّهر بين بنان وبيان، والدرّ طوع لسان وإحسان:[الوافر]
وقالوا ذاك سحر باهليّ «٤» ... فقلت وفي مكان الهاء باء
وأما محاسن أبي الوليد، فيقصر عنها أبو تمام وابن الوليد:[المتقارب]
معان لبسن ثياب الجمال ... وهزّت لها الغانيات القدودا
كسون عبيدا ثياب عبيد ... وأضحى لبيد لديها بليدا
وكيف أعجب من إجرائك لهذه الجياد، وأياديك من إياد؟ أورثت هذه البراعة المساعدة، عن قسّ بن ساعدة؟ أجدّك أنت الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أورق، وهو يقول أيها الناس: مطر ونبات، وآباء وأمهات، إلى قوله:[مجزوء الكامل]