للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعلّى، وعادت قرطا تتزيّن به الآذان وتتحلّى:

وفي الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي وسط السماء قدم

هذه آثار التواضع متلوّة السّور، مجلوّة الصّور، وكان بعضهم إذا أعطى الصّدقة، يعطيها ويده تحت يد السّائل، وهكذا تفهم المسائل. فإنه لما سمع النبوة تقول: اليد العليا خير من اليد السّفلى، أراد أن يؤثر المقام الأعلى. ولما أعطى أبو بكر، رضي الله عنه، ماله كله، أعطى عمر، رضي الله عنه، النصف من المال، لا احتياطا على ماله، ولكن ليقف لأبي بكر في مقام القصور عن كماله، تفويضا وتسليما، وتنبيها لمن كان له قلب وتعليما. ورؤي الدّارقطني، رحمه الله عليه، يحبس أباه بركابه، فلا ينكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال: رأيته يبادر إلى فضيلة، فكرهت مخالفته: [البسيط]

فوق السماء وفوق الزّهر ما طلبوا ... وهم إذا «١» ما أرادوا غاية نزلوا

وإلى هذا وصل الله حفظك، وأجزك من الخيرات حظّك، فإنه وصلتني الكرّاسة المباركة، الدّالّة على التفنن في العلوم والمشاركة، فبينما أنا أتلو الإجازة، وأريق صدور البيان وإعجازه، ألقي إليّ كتاب كريم، إنه من أبي الوليد، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فحرت، ووقفت كأنني سحرت، وقلت: ساحران تظاهرا معا، وأحدهما قاتلي، فكيف إذا اجتمعا: [الطويل]

فلو كان رمحا واحدا لاتّقيته ... ولكنه رمح وثان وثالث

ومن لعبت بشيمته المثاني ... فأحرى أن تطير به المثالث «٢»

وطار بي الشوق كلّ مطار، وقرأت سماء فكرتي سورة الانفطار، وكدت أصعد إلى السماء توقّدا، واختلط بالهواء تودّدا: [الكامل]

كانت جواهرنا أوائل قبل ذان ... فالآن صارت بالتحول ثوان

وجدت وراء الحسن وهي كثيفة ... فوجودهن الآن في الأذهان

ولم يكف أن بهرت بالحسن الخلوب، حتى أمرت أن أنظم على ذاك الأسلوب، وبالحريّ لذلك النثر البديع، الحريريّ أو البديع، ولذلك النّظم العجيب، المتنبي أو حبيب، ولذلك التصوف الرقيق، الحارث بن أسد ذي التحقيق. وأما الحديث، فما لك تقطع تلك المسالك، إلّا أن العربية ليس لأحد معه فيها دليل،