محيّاك أم نور الصباح تبسّما ... وريّاك أم نور الأقاحي «١» تنسّما
فمن شمّ من ذا نفحة رقّ شيمة ... ومن شام من ذا لمحة راق مبسما؟
أجل خلق الإنسان من عجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتفهموا أسرار الحكم وتعوا، وإذا رأيتم رياض الجنّة فارتعوا، يعني مجالس الذّكر، ومأنس النظر والفكر، ومطالع المناظرة، ومواضع المحاضرة، فهذه بتلك، وقد انتظمت الجواهر النبوية في سلك، ولهان حمى للعطارة وطيس، بين مسك المداد وكافور القراطيس. فيا أيها المعلم الأوحد، والعالم الذي لا تنكر أمامته ولا تجحد، حوّمت على علم الملوك، ولزمت بحلم طريق الحكم المسلوك، فلم تعد أمل الحكماء، ولم تعد إلّا بعمل العلماء، وقد قال حكيمهم الفاضل، وعظيمهم الذي لا مناظر له ولا مفاضل: إذا خدمت الأمراء فكن بين استلطاف واستعطاف، تجن المعارف والعوارف دانية القطاف، فتعلّمهم وكأنك تتعلّم منهم، وترويهم وكأنك تروي عنهم، فأجريت الباب، وامتريت من العلم اللّباب، ثم لم تبعد، فقد فعل النحويون ذلك في يكرم، ويعد، ويعزّ، ولا غرو أن تقرأ على من هو دونك، وتستجيز الإجازة عن القوم العظام يقصدونك. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمره الله بأن يقرأ على أبيّ بن كعب، فهل في حيّ الخواطر الذكية من حيّ؟ فقال له، رضي الله عنه: الله أمرك أن تقرأ عليّ، والعناية الرّبانية تنادي إليّ إليّ، وإذا قال لي: من أحبّ مولاي، واستعار لزينته حلاي:
فما على الحبيب من اعتراض ... وللطّبيب تصرّف في المراض «٢»
قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسبب المطلوب في الرّاحل «٣»
عجت متواضعا، فما أبرمت في معاجك، ولا ظلمت في السؤال نعجته إلى نعاجك، فإنه سرّ الله، لا يحلّ فيه الإفشاء، وحكمة الله البالغة، والله يؤتي الحكمة من يشاء، وإن لبست من التواضع شعارا، ولبست عن الترفع تنبيها على السّر المكتوم وإشعارا، فهذه الثريّا من العجائب إذا ارتفعت في أعلى صعودها، وأسمى راياتها الخافقة وبنودها، نهاية وجودها الحسّي عدم، وغاية وصفها الشّبهي أن تشبّه بقدم، فإذا همّت بالركوع، وشمّت في المغرب ريح الوقوع، كان لها من السّمو القدح