كتابته: وهي من قلّة التصنّع والإخشوشان، بحيث لا يخفى غرضها، ولكل زمان رجاله. وهي مع ذلك تزينها السذاجة، وتشفع لها الغضاضة. كتب عن الأمير يوسف بن تاشفين ولاية عهده لولده:
«هذا كتاب تولية عظيم جسيم، وتوصية حميم كريم، مهدت على الرّضا قواعده، وأكّدت بيد التقوى مواعده ومعاقده، وسدّدت إلى الحسنى مقاصده، وأبعدت عن الهوادة والهوى مصادره وموارده. أنفذه أمير المسلمين، وناصر الدين، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين، أدام الله أمره، وأعزّ نصره، وأطال فيما يرضيه منه، ويرضى به عنه عمره، غير محاب، ولا تارك في النصيحة لله ولرسوله والمسلمين موضع ارتياب لمرتاب، للأمير الأجل أبي الحسن عليّ ابنه، المتقبّل هممه وشيمه، المتأثّل حلمه وتحلّمه، الناشىء في حجر تقويمه وتأديبه، المتصرّف بين يدي تخريجه وتدريبه، أدام الله عزّه وتوفيقه، ونهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه، وقد تهمّم بمن تحت عصاه من المسلمين، وهدى في انتقاء من يخلفه هدى المتّقين، ولم ير أن يتركهم بعد سدى غير مدينين، واعتام في النّصاب الرفيع واختار واستنصح أولي الرأي والدين، واستشار فلم يوقع بعد طول تأمل، وتراخي مدة، وتمثل اختياره، واختبار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحنكة واستشارة الأعلية، ولا صار بدونهم الارتياد والاجتهاد إلّا إليه، ولا التقى روّاد الرأي والتشاور إلّا لديه. فولّاه عن استحكام بصيرة، وبعد طول مشورة، عهده، وأفضى إليه الأمر والنهي، والقبض والبسط عنده بعده، وجعله خليفته السّاد في رعاياه مسّده، وأوطأ عقبه جماهير الرجال، وناط به مهمات الأمور والأعمال، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسّنّة في أحد عصا أو أطاع، ولا ينام عن حماه الحيف والخوف بالاضطجاع، ولا يتليّن دون معلن شكوى، ولا يتصام عن مستصرخ لذي بلوى، وأن ينظم أقصى البلاد وأدناها في سلك تدبيره، ولا يكون بين القريب والبعيد بون في إحصائه وتقديره. ثم دعا، أدام الله تأييده، لمبايعته، أدام الله عزّه ونصره، من حضر ودنا من المسلمين، فلبّوا مسرعين، وأتوا مهطعين، وأعطوا صفقة إيمانهم متبرّعين متطوعين، وبايعوه على السمع والطاعة، والتزام سنن الجماعة، وبذل النصيحة جهد الاستطاعة، ومناصفة من ناصفه، ومحاربة من حاربه، ومكايدة من كايده، ومعاندة من عانده، لا يدّخرون في ذلك على حال المنشط مقدرة، ولا يحتجون في حالتي الرضا والسخط إلى معذرة. ثم أمر بمخاطبة سائر أهل البلاد لمبايعته، كل طائفة منهم في بلدها، وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها، حتى ينتظم في التزام طاعته القريب والبعيد، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب