لو علمت أنّ حالي هذه تتّصل، وعراها «١» لا تنفصل، وأن ترتيبي هذا يدوم، ولا يحيّرني «٢» الوعد المحتوم، والوقت المعلوم، لمتّ أسفا، وحسبي الله وكفى. ومع هذا يا سيدي، فالموعظة تتلقّى من لسان الوجود، والحكمة ضالّة المؤمن يطلبها ببذل المجهود، ويأخذها من غير اعتبار بمحلّها المذموم أو «٣» المحمود. ولقد أعملت نظري فيما يكافىء عني بعض يدك، أو ينتهي «٤» في الفضل إلى أمدك، فلم أر لك الدّنيا كفاء هذا لو كنت صاحب دنيا، وألفيت بذل النّفس قليلا لك من غير شرط ولا ثنيا «٥» ، فلمّا ألهمني الله لمخاطبتك بهذه النّصيحة المفرغة في قالب الجفا، لمن لا يثبت عين الصّفا، ولا يشيم بارقة «٦» الوفا، ولا يعرف قاذورة الدنيا معرفة مثلي من المتدنّسين بها المنهمكين، وينظر عوّارها القادح «٧» بعين اليقين، ويعلم أنها المومسة التي حسنها زور، وعاشقها مغرور، وسرورها شرور، تبيّن لي أني «٨» قد كافيت «٩» صنيعتك المتقدّمة، وخرجت عن عهدتك الملتزمة، وأمحضت «١٠» لك النّصح الذي يعزّ «١١» بعزّ الله ذاتك، ويطيب حياتك، ويحيي مواتك، ويريح جوارحك من الوصب «١٢» ، وقلبك من النّصب «١٣» ، ويحقّر الدنيا وأهلها في عينك إذا اعتبرت، ويلاشي عظائمها لديك إذا اختبرت. كلّ من تقع عليه «١٤» عينك حقير قليل، وفقير ذليل، لا يفضلك بشيّ إلّا باقتفاء رشد أو ترك غيّ، أثوابه النّبيهة يجرّدها الغاسل، وعروة عزّه «١٥» يفصّلها الفاصل «١٦» ، وماله الحاضر الحاصل، يعيث فيه الحسام الفاصل، والله ما تعيّن للخلف إلّا ما تعيّن للسّلف، ولا مصير المجموع إلّا إلى التّلف، ولا صحّ من الهياط والمياط «١٧» ، والصّياح والعياط «١٨» ، وجمع القيراط إلى القيراط، والاستظهار بالوزعة والأشراط، والخبط والخبّاط، والاستكثار والاغتباط،