تردّى فأردى فقده أهل ريّة «١» ... فما منهم إلّا كئيب ومغرم
غدا أهلها من فجعة بمصابه ... وعيشهم صاب قطيع وعلقم
وهل كان إلّا والد مات عنهم؟ ... فيا من لقوم يتّموا حين أيّموا «٢»
قضى نحبه الأستاذ واحد عصره ... فكاد الأسى يقضي إلى الكلّ منهم
قضى نحبه القطّان فالحزن قاطن ... مقيم بأحناء الضّلوع محكّم
وهل كان إلّا روضة رفّ ظلّها ... أتيح له قيظ من الجون صيلم؟
وهل كان إلّا رحمة عاد فقدها ... علامة فقد العلم والله أعلم؟
سل التّائبين العاكفين على الهدى ... لكم منّة أسدى وأهدى إليهم
أفادهم من كلّ علم لبابه ... وفهّمهم أسراره فتفهّموا «٣»
جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... دليلا بهم نحو الهدى حيث يمّموا «٤»
أبان لهم طرق الرّشاد فأقدموا ... وحذّرهم عن كل غيّ فأحجموا «٥»
وجاء من التّعليم للخير كله ... بأبين من يأتي به من يعلّم
فصاحة ألفاظ وحسن عبارة ... مضيّ كما يمضي الحسام المصمّم
يصيب فلا يخطي إذا مقصدا ... ومن «٦» يجيب فلا يبطي ولا يتلعثم
يحدّث في الآفاق شرقا ومغربا ... فأخباره أضحت تخطّ وترسم
سرى في الورى ذكر له ومدائح ... يكاد بها طير العلى يترنّم
لعمرك ما يأتي الزمان بمثله ... وما ضرّني لو كنت بالله أقسم
فقيه نزيه زاهد متواضع ... رؤوف عطوف مشفق مترحّم
يودّ لو أنّ الناس أثرى جميعهم ... فلم يبق مسكين ولم يبق معدم
يودّ لو أنّ الله تاب على الورى ... فتابوا فما يبقى من الكلّ مجرم
عليه من الرّحمن أوسع رحمة ... فقد كان فينا الدّهر يحنو ويرحم