للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا مؤكد لما ذهب إليه الشافعي ومن وافقه، على وجوب الجزاء على قاتل الصيد خطأ، فإن قول عمرو بن دينار -وهو تابعي جليل القدر من كبار التابعين-: "رأيت الناس" فإنما يريد من شاهده من الصحابة والتابعين قبله، فإطلاقه: رأيت الناس، من أقوى الأدلة على تغريم المخطئ.

قال الشافعي: فإن قال قائل: فهل شيء أعلى من هذا؟ قيل: شيء يحتمل هذا المعنى ويحتمل خلافه، فإن قال: ما هو؟ قيل:

أخبرنا مالك، عن عبد الملك بن قرير. وانقطع الحديث من الأصل.

وإنما أراد ما أخرجه مالك في الموطأ: عن عبد الملك، عن ابن سيرين أن رجلاً قال: أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنًا ظبيا ونحن محرمان، فما ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال نحكم، قال: فحكما عليه بعنز، فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلاً، فدعاه عمر، فقال: هل تقرأ المائدة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك ضربًا، ثم قال: إن الله قال في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (١) وهذا عبد الرحمن بن عوف.

قال الشافعي: فيحتمل أن يكون أوطآ الظبية مخطئين والله أعلم.

وأخبرنا الشافعي (رضي الله عنه): أخبرنا سعيد، عن ابن جريج قال: كان مجاهد يقول: ومن قتله منكم متعمدًا غير ناسٍ لحرمة ولا مريدًا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له برخصة، ومن قتله ناسيًا لحرمه وأراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد المكفر عليه النعم.

هذا شرح ما ذكرنا من مذهب مجاهد وإيضاح له، فإنه يقول: إن قاتل


(١) المائدة: ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>