للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن المنذر: وقد روينا عن ابن عمر وزيد بن ثابت أنهما رجعا عن ذلك.

فإن حاضت قبل طواف الإفاضة، أقامت حتى تَطْهُر وتطوف، ثم إذا طاف المودِّع وخرج من غير لبث فقد حصل الوداع، فإن أقام بعد ذلك على زيارة صديق أو شرى متاع أو ما أشبه ذلك، فإنه يعود ولا يجزئه الأول، فإن قضى حاجة في طريقه لم يؤثر وداعه. وبه قال أحمد.

وقال أبو حنيفة: لا يُعتَّدُّ الوداع ولو أقام شهرًا أو شهرين أو أكثر.

وقال مالك: لا بأس أن يشتري لفقد جهازه ومتاعه بعد الوداع.

وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه- أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب أنه قال: "لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت".

هذا حديث صحيح، أخرجه مالك بالإسناد واللفظ (١).

صدر يصدر: إذا رجع، والاسم الصدر -بفتح الدال- من صدر عن الماء وعن الشيء والقول مصدر.

النسك في الرجل العبادة، والناسك: العابد، قصد بالنسك ها هنا: جميع أفعال الحاج التي يبتغي الحاج بها ويتقرب إلى الله بعملها.

وقوله: بأن آخر النسك الطواف بالبيت، فعليك بجعله آخر العهد بالبيت، لأنه يريد أن يجعل آخر عهده معطوفًا لآخر عبادته ومنتهى أعماله، فإن أول أعمال الحج الإحرام وآخرها طواف الوداع، وإذا فارق الحاج البيت والحرم وهو متلبس بعبادة؛ كان أبلغ في عبادته وأبهى في طاعته.

وقد أخرج الشافعي هذا الحديث بهذه الطريق في كتاب "اختلافه مع مالك" (٢) وزاد قال مالك: وذلك فيما يرى -والله أعلم- لقول الله -عز


(١) الموطأ (١/ ٢٩٨ رقم "١٢٠").
(٢) الأم (٧/ ٢٣٨) لكن وقف به إلى ابن عمر ولم يجاوزه.

<<  <  ج: ص:  >  >>