للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الرواية الأخرى التي قدم فيها بالخيار على صاحبه فإنما قدمه لأن الأصل في سياق هذا الحديث إنما هو بيان شرع الخيار للمتبايعين مطلقًا، وحيث كان هذا هو الأصل في سياق هذا الحديث قدم الخيار، لأنه المطلوب، ولأن الفائدة التي سيق اللفظ الثاني لأجلها تفهم مع تأخير لفظة "صاحبه" وتقديم "الخيار"، فعلى هذا يكون لفظ رواية الشافعي أولى لما ذكرناه، ولأنه يكون قد جمع بين المعنيين، فإن الحديث وإن كان مشروعًا لبيان الخيار؛ فإن هذا الغرض قد حصل في القول الأول، وهو قوله: "المتبايعان بالخيار" وهذا هو أحد المعنيين، والمعنى الثاني بيان المخصوص بالخيار، ولا يحصل المعنيان على وجه الكمال إلا بتقديم لفظة "صاحبه" على "الخيار" و"الباء" في قوله: "بالخيار" متعلقة بمحذوف تقديره: متعاملان بالخيار، ونحو ذلك، ولا يجوز أن تكون متعلقة بقوله: "المتبايعان" لأَنَّا لو علقناها بما في المتبايعين من معنى الفعل؛ لكان الخيار مشروطًا بينهما في عقد البيع، وليس الغرض ذلك، بدليل قوله في آخر الحديث: "إلا بيع الخيار" وإنما الغرض إذا تعاقدا البيع؛ كان لهما الخيار، فالباء للملابسة، و"المتبايعان" مرفوع بالابتداء، وخبره "بالخيار" مع ما تعلقت به الباء، وكل واحد منهما مبتدأ في موضع البدل من "المتبايعين" وخبره "بالخيار" الثانية و"على" متعلق بالخيار، أي: له أن يختار عليه، ولو علقنا الباء بالمتبايعين لاحتجنا إلى الخبر.

وقوله: "ما لم يتفرقا" اختلف العلماء في معنى التفرق والافتراق ونحن نذكر ما قالوه:

قال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى ثعلب عن الفرق بين التفرق والافتراق، فقال: أخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال: يقال: فَرَقْتُ بين الغلامين -مخففًا- فافترقا، وفَرَّقْتُ بين اثنين -مشددًا- فتفرقا.

فجعل الافتراق في القول، والتفرق في الأبدان، فالتفرق الذي يلزم البيع بوجوده هو التفرق بالأبدان، وإليه ذهب علي، وابن عباس رضوان الله عليهما،

<<  <  ج: ص:  >  >>