للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاد فقال: "ما حقها" فأنث الضمير.

وهذا وأمثاله فاش في العربية أن يحمل الكلام على اللفظ، وتارة على المعنى فيعامل كلًا من الأمرين بما يقتضيه من تذكير وتأنيث، وجمع وإفراد وغير ذلك.

وقد بين سبب المطالبة من الله بقتله وهو: بقتله عبثا لا لفائدة ولا حاجة منه إليه، وقد جاء النهى كثيرًا عن أمثال هذه كالنهي عن المصبورة والمجثمة لأنه تعذيب الحيوان لغير فائدة؛ وهذا حرام شرعًا مذموم عرفًا وعقلاً.

ولما ذكر الشافعي ما يجوز إتلافه من أموال المشركين مما لا روح فيها تبعه بذكر ذوات الروح ونهى عن ذكرها فقال: ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المصبورة: وهي التي تنصب وترمى إلى أن تموت، فقال: قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: لا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة.

فإن قال قائل: فقد قال أبو بكر: ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، فقطعته؟ وإني إنما قطعته بالسنة واتباع لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وكان أولى بي والمسلمين، ولم أجد لأبي بكر مخالفًا في ذوات الأرواح من كتاب ولا سنة، ولا مثله من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما حفظت، مع أن السنة تدل على ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح. وذكر حديث العصفور.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا الثقفي، عن حميد، عن أنس قال: لما حضرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر -رضي الله عنه- فقدمت به على عمر، فلما انتهينا إليه قال له عمر: تكلم، قال: كلام حي أو كلام ميت؟ قال: تكلم لا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما حكى الله بيننا وبينكم، كنا نتعبدكم؛ ونقتلكم؛ ونغصبكم، فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، فقال عمر: ما تقول، فقلت: يا أمير المؤمنين، تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة؛ فإن قتلته يئس القوم من الحياة ويكون أنفذ لشوكتهم، فقال عمر: أستحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور؛ فلما خشيت أن يقتله قلت: ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>