-عز وجل - لا يعلم ما هو وينفى عنه التشبيه والاستقرار الذي هو من صفات الإسلام، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا، هذا مذهب كثير من صالحي السلف وأكثر المحدثين رحمة الله عليهم، أمروا الآيات والأحاديث على ظاهرها هربًا من الوقوع فيما لا يعلمون عاقبته ولا يتحققون معيته وسلوكًا في طريق السلامة من الزيغ والزلل، وهذا وإن كان طريقًا صالحة ومحجة سالمة فإن راكبها يدَّرع من التضرر جلبابًا، ويستمطر من التقليد سحابًا قانعًا بالوقوف عند أصحاب اليمين، راضيًا بالتأخر عن مقامات السابقين، ولعمري قد قال فضلاً وحاز من التوفيق حظًّا.
وأما المذهب الثاني: وهو الذي صار إليه المحققون من أهل الإيمان الفائزون بالرضوان فإنهم اعتبروا الآيات والأخبار الواردة فما جاز إطلاق ظاهره على الله عز وجل وما دلت عليه أوضاع اللغة العربية أجروه بظاهره ولا يحتاجون فيه إلى تأويل لاستمراره في منهج الصحة والصدق وما لم يجز إطلاق ظاهره على الله عز وجل لقيام الدليل على استحالة إطلاق ظاهره عليه أولوه تأويلًا تقتضيه اللغة العربية وقد اطردت العادة بمثله فرارًا من إطلاق ظاهره عليه ما لا يجوز إطلاقه على الله عز وجل فقالوا في الاستواء: أنه بمعنى الاستيلاء والقدرة عليه وقد أطلق أهل اللغة الاستواء بهذا المعنى في غير الآية، وإنما خص الاستيلاء بالعرش لأن العرش أعظم الموجودات وهو محيط بالكرسي الذي وسع السموات والأرض، وإذا أضاف الاستيلاء إلى أعظم موجوداته كان ما دونه أولى بالاستيلاء. هذا ما قاله الراسخون في العلم الذين أخبر الله عز وجل عنهم أنهم هم الذين يعلمون تأويل كتابه فقال:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(١).