قوله:"فإن ذلك قد طهره" جملة من المبتدأ والخبر مؤكدة بـ"إن" في محل الرفع على أنها خبر للمبتدأ؛ أعني قوله:"ما" في "ما استجمر"، ودخلت فيه الفاء لِتُضَمِّن المبتدأ معنى الشرط.
قوله:"ثلاثةً" نصب، على أنها خبر كان؛ أي: سواء كانت الأحجار ثلاثة أو أكثر أو أقل، وكذا الكلام في انتصاب "وترًا".
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن أمر النبي - عليه السلام - في هذا بالوتر يحتمل أن يكون ذلك على الاستحباب منه للوتر، لا على أن ما كان غير وتر لا يُطّهر، ويحتمل أن يكون أراد به التوقيت الذي لا يطهر ما هو أقل منه.
فنظرنا في ذلك هل نجد فيه شيئًا مما يدل على ذلك؟
فإذا يونس بن عبد الأعلى قد حدثنا، قال: أنا يحيى بن حسان، قال: نا عيسى بن يونس، قال: ثنا ثور بن يزيد، عن حصين الحُمْراني، عن أبي سعيد الخَيْر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "من اكتحل فليوتر من فَعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن تخلل فليلفظ، ومن لاك بلسانه فليبلع، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا كثيبًا يجمعه فليستدبره؛ فإن الشيطان [يتلاعب]، (١) بمقاعد بني آدم".
حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أخبرنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، قال: نا حصين الحِميْري، قال: حدثني أبو سعيد الخير، عن أبي هريرة، عن رسول الله - عليه السلام - ... مثله، وزاد:"من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج".
فدل ذلك أن رسول الله - عليه السلام - إنما أمر بالوتر في الآثار الأُوَل استحبابًا منه للوتر لا أن ذلك من طريق الفَرض الذي لا يجزئ إلا هو.
(١) في "الأصل": يلاعب، والمثبت من شرح معاني الآثار، ومصادر التخريج.