للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن الاستنجاء ليس بفرض كما ذهبت إليه الحنفية؛ لأن قوله: "من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"، لا يقال مثل هذا في المفروض، وإنما يقال في المندوب إليه، إلا أنه إذا ترك الاستنجاء أصلًا وصلى يكره؛ لأن قليل النجاسة جعل عفوًا في حق جواز الصلاة دون الكراهة، وإذا استنجى زالت الكراهية.

وقد قيل: إن نفي الحرج في تركه (١)، ولو كان فرضًا لكان في تركه حرج، فالحديث حجة على الشافعي ومن تبعه في قولهم بفرضية الاستنجاء.

قلت: فيه نظر؛ لأن نفي الحرج في ترك الإيتار لا في ترك أصل الاستنجاء.

وقال الخطابي: معنى الحديث التخيير بين الماء الذي هو الأصل، وبين الأحجار التي هي للترخيص. لكنه إذا استجمر بالحجارة فليجعل [وترًا ثلاثا] (٢) وإلا فلا حرج إن تركه إلى غيره. وليس معناه ترك التعبد أصلًا بدليل حديث سلمان "نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار".

قلت: قال الأستاذ فخر الدين: في التمسك بالحديث نفي الحرج عن تارك الاستنجاء، فدلّ أنه ليس بواجب، وكذلك ترك الإيتار لا يضر؛ لأن ترك أصله لما لم يكن مانعًا فما ظنك في ترك وصفه فدل الحديث على انتفاء المجموع.

قلت: فيه النظر المذكور بعينه.

وقال الخطابيّ: وفيه آخر، وهو رفع الحرج في الزيادة على الثلاث، وذلك أن مجاوزة الثلاث في الماء عدوان، وترك للسنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان، وإن صارت شفعًا.

قلت: هذا الوجه لا يفهم من هذا الكلام، على ما لا يخفى على [الفطن] ومجاوزة الثلاث في الماء كيف يكون عدوانًا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث؟! والزيادة في الأحجار وإن كانت شفعًا، كيف لا يصيرُ عدوانا، وقد نص على الإيتار؟!


(١) يعني الحرج الكائن في تركه، لو كان واجبًا.
(٢) في "الأصل": وثرانلا. والتصويب من "معالم السنن"- بها مش المنذري (١/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>