للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: هذا موقوف، فقد ظهر لك بهذا اضطراب هذا الحديث -يعني حديث القلتين- لأن في سنده ضعفا وفي متنه اضطرابا، والقلة في نفسها مجهولة.

قلت: "لا يحمل الخبث" يحتمل معنيين مختلفين لا ندري أيهما المراد، والاعتماد على مثل هذا الخبر لا يصلح؛ كيف وقد ظهر العمل من الصحابة بخلافه في ماء البئر، فكان الاعتماد على ما روي من الأحاديث المشهورة.

قلت: والجواب القاطع لحديث القلتين أنه خبر واحد، وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يُردّ، بيانه: أن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهم - أفتيا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح الماء كله. ولم يظهر أثره في الماء، وكان الماء أكثر من قلتين، وذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم - ولم ينكر عليهما أحد منهم، فانعقد الإجماع برد هذا الحديث.

ص: فقال هؤلاء القوم: إذا بلغ الماء هذا المقدار؛ لا يضره ما وقعت فيه من النجاسة إلَّا ما غلب على ريحه أو طعمه ولونه. واحتجوا في ذلك بحديث ابن عمر - رضي الله عنهم - هذا.

ش: أشار بهؤلاء القوم إلى قوله: "غير أن قوما وقتوا في ذلك شيئًا" وهم: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ومن تبعهم، وأراد بهذا المقدار القلتين.

وفي "المغني" (١): وإذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد له طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر، وأما ما دون القلتين إذا لاقته النجاسة فلم يتغير بها فالمشهور في الذهب أنه ينجس، وروي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عُبيد.

وروي عن أحمد رواية أخرى: أن الماء لا ينجس إلَّا بالتغيير؛ قليله وكثيره. وروي ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس، قالوا: الماء لا ينجس إلَّا بالتغير.


(١) "المغني" (١/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>