قوله:"لغير ميقاتها" أي في غير وقتها، وأراد أنه صلى الفجر بغلس، أول طلوع الفجر؛ لأجل الوقوف بمزدلفة.
والدليل عليه ما رواه مسلم (١): من حديث جابر - رضي الله عنه -: "أنه - عليه السلام - أتى المزدلفة فصل بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقى عليه، فحمد الله وكبره وهلله، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، ثم وقع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل".
ص: وقد ذكر فيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف كما جمع بينهما في السفر أفيجوز لأحد في الحضر لا في حال خوف ولا علّة أن يؤخر الظهر إلى قرب تغير الشمس ثم يصلي؟ وقد قال رسول الله - عليه السلام - في التفريط في الصلاة ما قد حدثنا أبو بكرة قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، بأن يؤخر الصلاة إلى وقت أخرى".
قال أبو جعفر: فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن تأخير الصلاة إلى وقت التي بعدها تفريط، وقد كان قوله ذلك وهو مسافر، فدل ذلك أنه أراد به المسافر والمقيم، فلما كان مُؤَخِّر الصلاة إلى وقت التي بعدها مفرطًا؛ استحال أن يكون النبي - عليه السلام - جمع بين الصلاتين بما كان به مفرطًا، ولكنه جمع بينهما بخلاف ذلك، فصلى كل واحدة منهما في وقتها.
ش: هذا أيضًا إشارة إلى تأييد صحّة تأويل أهل المقالة الثانية في صورة الجمع، أي قد ذكر في الآثار المذكورة أنه - عليه السلام - جمع بين الصلاتين في الحضر وليس في خوف ولا علة، كما مرّ في حديث جابر - رضي الله عنه -، ثم إنه هل يجوز لأحد في الحضر وليس في خوف ولا علة أن يؤخر الظهر إلى آخر وقت العصر ثم يجمع بينهما عند تغير الشمس؟ فهذا لم يقل به الخصم أيضًا، فدل ذلك على أن المراد