الماء النجس واستقر فيها، وكان الظن يبقي في البئر بعد نزح الماء، وكذا الأحجار؛ فكان ينبغي أن تطم البئر، كما قاله بشر المريسي ومن تبعه، أي يردم ويسوى، يقال: طمّ ماء السيل الركية أبي دفنها وسوَّاها، والجواب ظاهر.
ص: فإن قال قائل: فإنا قد رأينا الإناء يغسل، فلم لا كانت البئر كذلك؟ قيل له: إنَّ البئر لا يستطاع غسلها؛ لأن ما يغسل به يرجع فيها وليست كالإناء الذي يُهراق منه ما يغسل به، فلما كانت البئر مما لا يستطاع غسلها وقد ثبت طهارتها في حال ما، وكان كل من أوجب نجاستها بوقوع النجاسة فيها فقد أوجب طهارتها بنزحها، وإنْ لم ينزح ما فيها من طين، فلما كان بقاء طينها فيها لا يوجب نجاسة ما يطرأ فيها من الماء وإنْ كان يجري على ذلك الطين؛ كان إذا ماسّ حيطانها أحرى ألَّا تنجس، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما طهرت حتى تغسل حيطانها ويُخرج طينها ويُحفر، فلما أجمعوا أن نزح طينها وحفرها غير واجب كان غسل حيطانها أحرى ألَّا يكون واجبا، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: هذا السؤال قد نشأ من وجه قياس عدم وجوب طم البئر النجسة على عدم وجوب كسر الإناء النجس، بيانه أنكم لما أوجبتم غسل الإناء النجس ولم توجبوا كسره حيث قلتم أمر رسول الله - عليه السلام - بغسله ولم يأمر بكسره والحال أنه قد تشرب من الماء النجس وقستم البئر النجسة عليه حيث حكمتم بطهارتها بالنزح ولم تحكموا بالطم والحال أن حيطانها قد تشربت من الماء النجس، فَلِمَ ما حكمتم بغسل حيطانها قياسا على الإناء؟! والجواب طاهر.
قوله:"وقد ثبت طهارتها في حال ما ... " إلى آخره جواب عن سؤال مقدّر تقريره أن يقال: سلّمنا أن غسل البئر متعسر غير مستطاع ولكن إخراج الطين غير متعسر فكان ينبغي أن يجب ذلك.