رسول الله - عليه السلام - المدينة، وصل إلى كل صلاة مثلها غير المغرب، فإنها وتر، وصلاة الفجر لطول القراءة فيها" وزعم أن الزيادة في الصلاة والإطالة في القراءة كانتا معًا: وظاهر الحديث يدل على أن الزيادة في الصبح إنما لم تشرع لطول قراءتها المشروع فيها قبلها ثم حمل حديث عائشة - رضي الله عنها - في التغليس على أن ذلك كان قبل أن يشرع فيها طول القراءة، وعائشة - رضي الله عنها - قد أخبرت أن الزيادة في الصلاة كانت حين قدم النبي - عليه السلام - المدينة، وغيرها يقول: حين فرضت قبل قدومه المدينة، وعلى زعمه شرع طول القراءة فيها حين زيد في عدد غيرها، وعائشة إنما حملت حديث التغليس وهي عند النبي - عليه السلام - بالمدينة، وكذلك أم سلمة، وإنما تزوج بها بعد ما هاجرت بسنتين؟ فكيف يكون منسوخًا بحكم تقدم عليه؟! كيف وقد أخبرتنا عن دوام فعله وفعل النساء معه، وروينا عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديث مخرج في "الصحيحين" (١): "أن النبي - عليه السلام - كان يصليها بغلس".
وفي حديث أبي مسعود الأنصاري: "أن النبي - عليه السلام - صلى الصبح بغلس ثم صلاها يومًا فأسفر بها ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله تعالى". وهذا كله يدل على بطلان النسخ الذي ادعاه الطحاوي في حديث عائشة وغيرها في التغليس، والطريق الصحيح في ذلك: أن تحمل الأحاديث التي وردت في الإخبار عن تغليس النبي - عليه السلام - وبعض أصحابه بالصبح على أنهم فعلوا ما هو الأفضل؛ لأن ذلك كان أكثر فعلهم، ويحمل حديث رافع - رضي الله عنه - على تبيين الفجر باليقن وإن كان يجوز الدخول فيها في الغيم بالاجتهاد قبل التبيين، انتهى.
والجواب عن ذلك فصل، فصل.
أما قوله: "ولم يعلم أن النبي - عليه السلام - لا يداوم إلا على ما هو الأفضل" قول لم يعلم هو ما قال فيه؛ لأن الطحاوي وأدنى من الطحاوي يعلم أن النبي - عليه السلام - لا يداوم إلا على الأفضل، ولكن من يقول أن النبي - عليه السلام - داوم على التغليس، فإن عارض بحديث
(١) "صحيح البخاري" (١/ ٢٠٥ رقم ٥٣٥)، ومسلم (١/ ٤٤٦ رقم ٦٤٦).