وأخرجه الطبراني أيضًا: ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة قال:"كان رسول الله - عليه السلام - يصلي العصر والشمس حيّة".
وتقرير الجواب عن حديث عائشة: أنه لا دلالة فيه على تعجيل العصر؛ لأنه يجوز أن يكون - عليه السلام - قد أخَّر العصر والحال أن الشمس في حجرتها؛ لكون حجرتها منخفضة قصير البناء والجدران، فلم تكن الشمس تنقطع عنها إلا قريب الغروب، وهو معنى قوله:"قد يجوز أن يكون ذلك كذلك وقد أخر العصر" أي يجوز أن يكون ما ذكرتم من كون الشمس في حجرتها والحال أنه - عليه السلام - قد أخر صلاة العصر.
قوله:"لقصر حجرتها" متعلق بقوله: "أن يكون ذلك" أي كون الشمس في حجرتها لأجل قصر بناء حجرتها.
وأما حديث أبي برزة فقد مرَّ جوابه فيما مضى عند حديث أنس وأبي مسعود البدري من أن تكون الشمس مرتفعة ولكن قد اصفرت، وكذلك يكون معنى حديث أبي برزة، "والشمس حيّة" أي مرتفعة ولكن قد خالطتها الصفرة، فحينئذٍ لا يدل الحديث إلا على تأخيره العصر والله أعلم.
ثم إن الناظر إذا أمعن نظره في هذه الأحاديث بعد جمعها يجدها قد يدل أكثرها على تأخير العصر، ولا يجد ما يدل على تعجيلها إلا ويجد آخر يعارضه، فالأولى بل المتعين في مثل ذلك أن يعمل بالأكثر ويوفق بين المتعارضين؛ فلذلك استحبوا تأخير العصر، إلا أنها لا تؤخر إلى وقت لا تبقى بعده مدة قبل تغير الشمس، فلو نظر الشخص إلى أصل المعنى لكان تعجيل الصلوات كلها -العصر وغيرها- في أوائل أوقاتها أفضل نقلًا وعقلًا.
أما نقلًا: فلما روي عنه - عليه السلام - لما سئل أي الأعمال أفضل؟ قال:"الصلاة في أول وقتها". أخرجه أبو داود (١) وغيره.
(١) "سنن أبي داود" (١/ ١٦٩ رقم ٤٢٦) وقد تقدم تخريجه.