وأما عقلًا: فلأن التأخير من الكسل، وذم الله تعالى أقوامًا على الكسل فقال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}(١) والتأخير من الكسل، ولكن تواترت الآثار وتكاثرت بالدلالة على تأخير العصر، والظهر في شدة الحرّ، والصبح إلى الإسفار، والعشاء إلى ما قبل ثلث الليل، فوجب اتباعها، والعمل بها فأَعْدل الأمرين، وأشار إلى ذلك بقوله:"ولو خُلِّينا والنظر ... " إلى آخره و"خُلِّينا" على صيغة المجهول، والنظر منصوب على المعيَّة.
وقوله:"أولى" خبر لقوله: "اتباع ما روي".
ص: وقد روي عن أصحابه من بعده - رضي الله عنهم - ما يدل على ذلك أيضًا.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع: أن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى عماله: إنَّ أهَمَّ أمركم عندي: الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، صلوا العصر والشمس بيضاء مرتفعة بيضاء نقيّة، قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة".
حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا يزيد بن أبي حكيم، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: "كنا مع أبي هريرة - رضي الله عنه -، في جنازة فلم يصل العصر، وسكت حتى راجعناه مرارًا فلم يصل العصر حتى رأينا الشمس على رأس أطول جبل بالمدينة".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: "كان من كان قبلكم أشد تعجيلًا للظهر، وأشد تأخيرًا للعصر منكم".
فهذا عمر - رضي الله عنه - يكتب إلى عماله وهم من أصحاب النبي - عليه السلام - يأمرهم بأن يُصلوا العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أبو هريرة قد أخرها حتى رآها عكرمة على رأس أطول جبل بالمدينة، ثم إبراهيم يخبر عمن كان قبله يعني من أصحاب النبي - عليه السلام -