للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الحقيقة لا تترك ما لم يقم الدليل على المجاز، فحقيقة الولوغ شرب الكلب المائعات بأطراف لسانه كما ثبت ذلك في كتب اللغة.

قوله: "لحم قد نهي عن أكله وهو لحم الحمر الأهلية" لما روى مسلم في "صحيحه" (١): من حديث علي - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية".

وكذلك لحم كل ذي ناب من السباع؛ لما روى مسلم (٢): من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير".

قوله: "فمن ذلك السنور" أي من كل ذي ناب من السباع السنور.

"وما أشبهه" كابن عرس ودَلَق ونمس ونحوها؛ لقوله: - عليه السلام - "السنور سبع" فظهر من هذا الكلام أن كراهة سؤر الهرة عند الطحاوي لحرمة لحمها يدل أنه إلى التحريم أقرب، وعند الكرخي: لتناولها الجيف فلا يخلو فمها عن نجاسة عادة، فهذا يدل على أن كراهته تنزيه، وقد ذكرناه مرة.

فإن قيل: كان ينبغي على ما ذكره أن يكون سؤره نجسا؛ لأن لحمه منهي عنه فيكون حراما؛ فإذا كان حراما يكون كالكلب والخنزير.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن الحرمة عارضة عليه لأنه ما حرّم إلَّا حين حرم السباع، فتكون نجاسته عنده عارضة لتناول اسم السبع عليه، فلم يؤثر ذلك في نجاسة سؤره، على أن حديث الطوف يدل على طهارة سؤره، فصار لسؤره شبهان: إنْ نظرنا إلى أنه سبع يقتضي أن يكون سؤره نجسا، وإنْ نظرنا إلى قوله - عليه السلام -: "إنها ليست بنجس" يقتضي أن يكون طاهرا، لكن لما انتفى التنجيس بعلة الطواف، بقيت الكراهة، وهذا هو التحقيق في هذا المقام.


(١) "صحيح مسلم" (٢/ ١٠٢٧ رقم ١٤٠٧).
(٢) "صحيح مسلم" (٣/ ١٥٣٤ رقم ١٩٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>